المحامي برهان جلال شعبان

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المحامي برهان جلال شعبان

جميع قوانين العالم في موقع واحد


    ابحاث الاحوال الشخصيه (الفحص الطبي قبل الزواج ومدى مشروعيته)

    al_kapten
    al_kapten


    المساهمات : 31
    تاريخ التسجيل : 26/04/2010

    ابحاث الاحوال الشخصيه  (الفحص الطبي قبل الزواج ومدى مشروعيته) Empty ابحاث الاحوال الشخصيه (الفحص الطبي قبل الزواج ومدى مشروعيته)

    مُساهمة  al_kapten الإثنين أبريل 26, 2010 5:10 am

    الفحص الطبي قبل الزواج ومدى مشروعيته .
    الدكتور عبدالرحمن بن حسن النفيسة



    سؤال من عدد من الإخوة والأخوات عن مدى مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج ، والآثار التي تترتب على إجرائه ، أو عدم إجرائه ؟
    وقبل البحث في صلب الجواب ينبغي معرفة مقاصد الزواج ، والغاية منه ؛ فالزواج له ثلاث غايات ومقاصد :


    أولها- السكينة بين الزوجين


    وقد اقتضت حكمة الله أن جعل لكل من الذكر والأنثى خواص تقتضي وجوب الزواج بينهما ، لتحصل لهما السكينة الجسدية والعقلية ، ذلك أن القوة الجنسية لكل منهما لا تندفع إلا بهذا التزاوج . وقد بيّن الله ذلك في قوله تعالى: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها (1). وقوله عز وجل: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (2). وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ينال المرأة من سخط الله إذا منعت زوجها من مسها ، في قوله: (والذي نفسي بيده ! ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه ، إلا كان الذي في السماء ساخطاْ عليها حتى يرضى عنها)(3). وكما أن للزوج الحق في السكينة مع زوجته ، فإن لها الحق في ذلك مما هو مبين في كتب الفقه عن الحقوق المشتركة بين الزوجين .


    وثاني المقاصد


    - التنسيل: فالزواج -إلى جانب ما فيه من السكينة بين الزوجين- له غاية قصوى تتمثل في إنجاب الذرية، والأصل في ذلك الكتاب والسنة . أما الكتاب فقد بيَّن الله أن البنين زينة في الحياة الدنيا في قوله عزوجل: المال والبنون زينة الحياة الدنيا (1). كما امتن على خلقه بما جعل لهم من أزواجهم بنين وأجيالاً يتعاقبون ، وذلك في قوله عزوجل: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة(2). وأما السنة فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزواج في قوله: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة) (3). وقد دل هذا الحديث على معنيين: الأول: الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا) والأمر هنا على إطلاقه يقتضي التكليف ، بدليل نهيه عليه الصلاة والسلام عن التبتل وحثه على الزواج، حين جعل مهر الزواج سورة من القرآن الكريم(4). أما المعنى الثاني: فهو الإشارة إلى التكاثر ، وفي هذا دليل على أهمية الإكثار من الإنجاب لما فيه من القوة للأمة ، وهو ما ذكره الله في قصة نبيه شعيب مع قومه حين امتنعوا عن الاعتداء عليه بسبب قوة عشيرته: قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز (5).
    ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بالزواج والإنجاب كان يدرك بمعنى النبوة ما للنسل وكثرته من أثر في الأمم ، وقوتها ومنعتها ؛ فثمة بون شاسع بين أمة قليلة العدد وأمة كثيرة العدد ، فلو لم يكن للصين والهند هذه القوة العددية من السكان في زماننا هذا لما كان لهما هذا الشأن المعاصر بين الأمم ؛ فالعالم لا يهتم بأمة أو دولة يسكنها مائتا ألف أو مليون أو مليونان من البشر . والعالم لا يهتم إلا بالأمم التي تصنع القوة بأيدي أولادها ولا يكون الأولاد إلا حيث يوجد النسل .


    أما المقصد الثالث من الزواج فهو إعمار الأرض:


    وعمران الأرض سنة من سنن الله في خلقه ، بل هو في مقدمة هذه السنن ، فالغاية من خلقهم عبادة الله وحده ، وهذه العبادة لا تتحقق إلا بعمران الأرض ، وهذا العمران لا يتحقق إلا من خلال النسل ، وفي هذا قال الله عز وجل: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها(1). وإعمار الأرض يقتضي بالضرورة وجود الإنسان القوي في جسمه وفي عقله .
    ولا يماري أحد في هذه المقاصد رغم اختلاف الأديان والعقائد، والمذاهب ، والأعراف ؛ فالزواج بغاياته ومقاصده الثلاثة حقيقة وواقعة مشتركة بين الإنسان في ماضيه وحاضره ومستقبله ، ولكن هذا الزواج له قضايا ومشكلات تتعلق بحال الزوجين ، أو أحدهما من الناحية الجسمية والعقلية . وقد تطرق الفقهاء في سابق عهودهم إلى هذه الأحوال ، ومنها أمراض العتة والعنة والجب والخصاء والرتق والقرن والجذام ورائحة الفم ونحو ذلك ، مما رتبوا عليه أحكاماً منها ما يقضي بفسخ عقد الزواج ، في حال وجود أي من هذه الأمراض عند الزوجين . ومع مرور الزمن ، وتطور مفاهيم الإنسان ، وكثرة مشكلاته الاجتماعية جدت عليه نوازل وقضايا يجد من اللازم عليه التعامل معها وفقاً لمفاهيمه وعقائده . ومن هذه النوازل تطور مفهوم الوراثة ، واكتشاف العديد من الأمراض المعدية .
    لقد بينت خريطة جينات الإنسان (الجينوم البشري) العوامل الوراثية للإنسان ، وقد بلغت هذه الجينات عدة آلاف ، وقد يكون لاكتشافها آثار كبيرة في معرفة علاج أمراض الوراثة والأمراض المعدية ، وقد اهتم الإسلام بعلاج الأمراض من جانبين: الجانب الأول: الوقاية منها قبل حدوثها . ويقصد بالوقاية تحصين أفراد الأمة بما يمنع انتشار الأمراض بينهم ، سواء كانت وراثية أو معدية . وتقع المسئولية في هذا على الإنسان نفسه ، بما يجب عليه من عدم التعرض للأسباب المسببة للمرض كالزواج من الأقارب . كما تقع هذه المسئولية على الدولة بما يجب عليها من منع تعرض أفراد الأمة إلى الأمراض المعدية كفرض الوقاية الصحية .


    أمراض الوراثة والوقاية من هذه الأمراض :


    والأصل في الوقاية من هذه الأمراض كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . أما الكتاب فقول الله تعالى عن دعاء نبيه زكريا لربه: رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (1). وقوله عز وجل: المال والبنون زينة الحياة الدنيا (2). وقوله عز من قائل: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (3). وقوله في ولدي نبيه إبراهيم: فبشرناه بغلام حليم (4). وبشروه بغلام عليم (5). والإشارة هنا تدل على أن الولد المريض لا يوصف بأنه من الذرية الطيبة في أجسامها وعقولها، والولد المشوه في خلقه أو عقله ليس من الذين يوصفون بأنهم زينة في الحياة الدنيا ، ولن يكون كذلك من الموصوفين بقرة أعين والديهم بهم ، وبشرى الله لنبيه إبراهيم بولدين موصوفين بالحلم والعلم دليل حسي وعملي على أنهما كاملا الوصف في جسميهما وعقليهما .
    وأما أساس الوراثة في السنة فقد أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يتخير المسلم لنطفته، لما سيكون لذلك من أثر وراثي في ذريته، فقال عليه الصلاة والسلام: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) (1). وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) (2). وقال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) (3). وقال عليه الصلاة والسلام: (إياكم وخضراء الدمن فإنها تلد مثل أبيها وعمها وخالها) قالوا: وما خضراء الدمن ؟ قال: (المرأة الحسناء في المنبت السوء) (4). وقال: (لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاوياْ) (5). وقال: (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها) (6). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل) (1). ولما جاءه رجل ولدت زوجته ولداً أسود خلافاً للون أبيه وأمه ، وأراد الرجل نفي هذا الابن ، سأله رسول الله عليه الصلاة والسلام عما إذا كان له من إبل ولما قال نعم سأله عن ألوانها فقال حمر، ثم سأله عما إذا كان فيها من أورق (أي أسمر) فأجابه بأن ذلك فيها قال: (فأنى أتاها ذلك ؟) فقال الرجل: لعل عرق نزع به . فقال عليه الصلاة والسلام: (فهذا عسى أن يكون قد نزع به عرق) ، ثم أنكر عليه نفيه لولده. ويقول الإمام ابن حجر فلما بحثوا وجدوا أن للولد جدة سوداء من جهة أمه (2). وقد دلت هذه الأحاديث في مجملها على أن العرق ينزع بالولد، وأن لصفة الأم (كما هي في صفة الأب) أثر كبير في الوراثة مما يجب معه حسن اختيارها ، بما تتمتع به من الصفات الدينية والخلقية. ومن المحسوس ، والمشاهد أن ممارسة الأفعال المحرمة من قبل الزوجين أو أحدهما كالزنا ، واللواط ، والسحاق وما في حكم ذلك ، يؤدي إلى نقل الفيروسات المتأتية من هذه الأفعال إلى الجنين فيولد مشوهاً معلولاً . كما أن من المحسوس والمشاهد أن الوالدين الذين يتمتعان بالصفة الدينية والخلقية ينتجان ذرية سليمة في أجسامها وعقولها .


    الأمراض المعدية :


    عندما تحدث الفقهاء عن الأمراض وتأثيرها في العلاقة بين الزوجين لم يكن قد تم اكتشاف العديد من هذه الأمراض ، وفي هذا العصر اكتشف الطب أن ثمة أمراضاً خطرة يمكن انتقالها من شخص إلى آخر بطريق العدوى ، وأن هذه الأمراض إذا لم يتم تحجيمها بمنع تعديها سيؤدي ذلك إلى كوارث وبائية تلتصق بالأجيال ، وتدمر حياة الأمم الصحية والاقتصادية والاجتماعية . وقد كان للتقدم التقني والطبي أثر في معرفة العديد من الأمراض المعدية والخطرة مثل نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، والتهاب الكبد الفيروسي بنوعيه ، وأنيميا البحر الأبيض المتوسط (التلاسيميا) ، والأنيميا المنجلية ، والملاريا ، والزهري وغير ذلك من الأمراض. ومن مصلحة الفرد والأمة تجنب هذه الأمراض باتخاذ الوسائل المانعة لها ، وذلك من خلال الفحص المختبري لراغبي الزواج قبل زواجهما ليكون كل منهما على علم بحال الآخر، فمن خلال هذا الفحص يمكن معرفة الأمراض المعدية كنقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، كما يمكن معرفة التشوهات التي تؤثر في سلامة الجنين والأمراض الجنسية الأخرى كالعقم . والأصل الشرعي في مشروعية هذا الفحص واضح في الكتاب والسنة . أما الكتاب فقول الله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (1). وقوله عزوجل: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (2). والمعنى -وإن قيل إن هاتين الآيتين ذواتا حكم خاص- إلا أنه واضح في أن على الإنسان واجباً في اجتناب ما يؤدي إلى ضرره ، والعبرة في هذا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . أما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فر من المجذوم كما تفر من الأسد) (3). وفي رواية أخرى: (كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين) (4). وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يوردن ممرض على مصح) (5). وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) (1). وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين عاد بمن معه إلى المدينة ، حين سمع بوقوع طاعون عمواس في الشام (2).
    الجانب الثاني- علاج الأمراض بعد حدوثها: وكما اهتم الإسلام بالوقاية من الأمراض اهتم بعلاجها بعد حدوثها . وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لكل داء دواء، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء) (3). وقوله: (لكل داء دواء ، فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل) (4). ولما سأله الأعراب قائلين: أنتداوى ؟ قال عليه الصلاة والسلام: (نعم يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير الهرم) (5). هذا في قوله، أما في فعله فكان عليه الصلاة والسلام يتداوى وذلك فيما روته عائشة رضي الله عنها أنه كان يمرض في آخر عمره ، فتقدم عليه الوفود من كل ناحية فيصفون له الدواء ، وكنت أعالجها له (6). وقد أمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بعد أن وصف له الدواء من عجوة المدينة - أن يذهب إلى الحارث بن كلده الثقفي ليصف له العلاج لكونه مفؤوداً (7).
    فهذه الأحاديث واضحة في أهمية التداوي من المرض ، بل وجوبه عند حدوثه ، ولكن على المسلم أن يعتقد أولاً أن الدواء ليس إلا مجرد سبب، وأن الله وحده الشافي من المرض ، بدلالة قوله عز وجل: وإذا مرضت فهو يشفين (1).
    قلت : فاقتضى ما سبق ذكره مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج لما له من المنافع الشرعية العديدة، التي تنعكس بآثارها الحميدة على الزوجين.
    ومن هذه المنافع معرفتهما لخصائصهما الوراثية ، حتى يكونا على بينة منها قبل إقدامهما على الزواج ، خاصة إذا كانا يحملان أحد الأمراض المعدية مثل أنيميا البحر الأبيض المتوسط "التلاسيميا" ، أو الأنيميا المنجلية أو نحو ذلك من الأمراض الوراثية . ومن هذه المنافع معرفة التشوهات الخلقية ، أو العقلية التي قد تصيب الجنين ، عندما تكون الأم والأب يحملان مرضاً تنتقل آثاره ومخاطره إلى ذريتهما .
    ومن هذه المنافع معرفة الأمراض الوراثية التي قد تنتقل إلى ذريتهما بسبب قرابتهما القريبة ، وكذا معرفة الأمراض المعدية والخطرة كفيروس الكبد والزهري والإيدز ، فلك أن تتصور ما يحدث من عدم الفحص قبل الزواج من مخاطر ، حين يتزوج حامل الإيدز من امرأة عفيفة طاهرة، وهي لا تعرف سره ولا مخبره ، ثم ما تلبث أن تجد نفسها في مصح للعزل تصارع الموت بسبب خيانة زوج لم يتق الله في نفسه ، ولا فيها ، ولا في أسرتها . ولك أيضاً أن تتصور حالة زوج دخل بامرأة تحمل نفس المرض نتيجة نقل دم لها أو خلافه ، ثم يجد الزوج نفسه يصارع الموت بعد أن يبتعد عنه أقرب أقاربه .
    ومن المنافع التي تترتب من الفحص الطبي قبل الزواج الإيضاح للمريض عن مرض كامن فيه ، لا يتحرك إلا بعد بلوغه سناً معينة ، فيبدأ في علاجه قبل أن يصل إلى المرحلة التي لا يستجيب فيها لهذا العلاج .

    ومن هذه المنافع رفع الحرج عن الأسر ، فبعضها أو أغلبها تتحرج عندما يتقدم لخطبة ابنتهم خاطب ، خاصة إذا كانوا لا يعرفون سلوكه من قبل، فإما أن يعتذروا إليه لمجرد الشك في سلوكه ، وإما أن يقبلونه وهم لا يعرفون عنه شيئاً ، وقد يحدث لابنتهم ما لا يريدونه لها .
    وكما أن للفحص الطبي قبل الزواج فوائد ومنافع ، فإن له محاذير، ومنها ما يترتب من آثار نفسية لمن تدل خريطتهم الوراثية على وجود أمراض لديهم في الحال أو المآل ؛ فالرجل إذا اكتشف أنه مصاب بالعقم -مثلاً- سيرتد هذا الاكتشاف عليه ، ويصاب بأمراض نفسية وعضوية. والمرأة إذا اكتشفت أنها ستصاب في المستقبل بمرض في الرحم أو الصدر سوف تصاب هي الأخرى بمرض نفسي وعضوي ، وهذا يؤدي في النتيجة إلى مظنة اليأس وما يترتب عليه من القنوط والاكتئاب .
    ومن هذه المحاذير البعد عن الزواج واللجوء إلى الأفعال غير الشرعية خوف الكشف عن مكنون الإنسان ، وفي هذا خطر على الأمة حين ينكفئ أولادها عن الزواج لما يتركه ذلك من آثار ومخاطر على أحوالها العامة. ومن هذه المحاذير أن كشف خريطة الإنسان الوراثية يعد تعدياً على حريته وخصوصيته . كما يعد قسراً له على أمر لا يرغب فيه خاصة إذا كان طلب الفحص إلزامياً من قبل السلطة .
    ومن هذه المحاذير إفشاء أسرار الإنسان للعامة ؛ فإذا عرف الناس أنه مصاب بمرض مّا من خلال تداول الحديث عنه ، فسيكون ذلك مدعاة له للانعزال عن المجتمع ، وهذا سيؤدي به إلى الاكتئاب وهكذا .
    ومع أهمية هذه المحاذير إلا أن لكل قضية جوانب ذات فوائد، وجوانب ذات أضرار ، والعبرة في ذلك لرجحان هذه أو تلك ؛ فعقم الإنسان -مثلاً- لابد أن ينكشف في الحال أو المآل ، ومرض المرأة لابد أن ينكشف كذلك، وقد يكون في اكتشاف العقم أو المرض دافع لعلاجهما، ناهيك بأن ما يقوله الطب عن هذا العقم أو ذاك المرض لا يدل على الجزم بوقوعه ، فقد يكون هذا القول مجرد احتمال وظن يقبل الخطأ كما يقبل الصواب ، وقدرة الله وقدره فوق كل قول، وحكمة الله والاعتقاد في شفائه والصبر على قضائه أساس في إيمان المسلم وعقيدته ؛ فقد يكون العقم خيراً لصاحبه ، وقد يكون المرض كذلك ، وللمرض أوقات وللشفاء كذلك ، وما على الإنسان إلا أن يرضى بما كتبه الله له ، فهو أعلم بما ينفع خلقه في الحال والمآل .

    ولعل ما يصعب في مسألة الفحص الطبي قبل الزواج قضية إفشاء سر المريض ، ومع أخذ هذه الحساسية في الحسبان ، فإن للسر قواعد وأحكاماً فالمصلحة قد تقتضي الكشف عنه لذي مصلحة فيه ، فالطبيب أو المسئول عن الفحص بمثابة المؤتمن لمن يستشيره ، والناصح لمن يطلب نصيحته. والأصل في هذا قول الله تعالى على لسان نبيه نوح حين قال لقومه وأنصح لكم (1). وقوله عز وجل على لسان نبيه هود حين قال لقومه وأنا لكم ناصح أمين (2). والأصل في هذا أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المستشار مؤتمن) (3). وقوله عليه الصلاة والسلام: (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (4). وقد طبق ذلك عليه الصلاة والسلام في نصحه لمن استشاره ، ومن ذلك لما أتاه رجل يخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، قال له: (أنظرت إليها ؟) قال: لا ، قال: (اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئْا) (5). ولما بايع جرير بن عبد الله على الإسلام شرط عليه النصح لكل مسلم (1). ولما أخبرته فاطمة بنت قيس أن معاوية وأبا جهم وأسامة بن زيد خطبوها ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أما معاوية فرجل ترب لا مال له ، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة ..) (2).

    وقد تعرض الفقهاء -رحمهم الله- لهذه المسألة . فقالوا: يجوز لمن استشاره الزوج في أن قصده الزواج بفلانة أن يذكر له ما يعلمه فيها من العيوب ، لكي تحذر منه . وكذلك يجوز لمن استشارته المرأة في أن قصدها التزوج من فلان أن يذكر لها ما يعلمه فيه من العيوب والمساوئ ، لكي تحذر منه ، على أن يكون ذكره في كلتا الحالتين بصدق، وأن قصده النصيحة وليس الوقيعة ، وأن يقتصر على ذكر العيوب المتعلقة بالاستشارة، فيذكر لمن أراد النكاح العيب المتعلق بالنكاح دون العيب المتعلق بالبيع مثلاً(3).

    قلت : وإذا جاز للطبيب أو المسئول عن الفحص سواء كان فرداً أو مستشفى أن ينصح من استشاره عن حالة مريض ، فذلك لا يعني بأي حال إفشاء سره لمن أراد، بل يجب عليه الحفاظ على هذا السر وكتمانه لأنه مؤتمن عليه ، فإن أفشاه لغير من اقتضت ذلك مصلحة شرعية عد خائناً لأمانته ، وقد نهى الله عن خيانة الأمانة -نهي تحريم- في قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون(4). كما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأداء الأمانة وعدم الخيانة بقوله: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) (1). وقوله عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان) (2). وقوله صلاة الله وسلامه عليه: (إن من أشرٌٌَ الناس عند الله منزلةْ يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها) (3).
    وكما تقع هذه المسئولية على الطبيب ، ومن في حكمه، تقع على كل من يعرف سراً لغيره ؛ فالخاطب إذا عرف سر من خطبها وجب عليه حفظ هذا السر ، والمخطوبة إذا عرفت سر من خطبها وجب عليها حفظ سره . وكل من له علاقة بسر لغيره يجب عليه عدم إفشائه لما يترتب على ذلك من الأذى الذي توعد الله فاعله بقوله عز وجل: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا (4).

    لقد كان سلف الأمة أشد حرصاً ، وحفظاً للأمانة، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر عرض على عثمان رضي الله عنه الزواج من ابنته حفصة ، فقال له قد بدا له ألا يتزوج في يومه ذلك ، ثم عرضها عمر رضي الله عنه على أبي بكر فصمت ولم يرد عليه بشيء ، وكان عمر يجد في نفسه على عثمان وأبي بكر لإعراضهما عن نكاح حفصة ، ولما خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر لعمر: ما منعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن أفشي سر رسول الله (5).
    كما روت عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن عنده ذات يوم فأقبلت فاطمة فأجلسها عن يمينه ، ثم سارها فبكت بكاء شديداً ، فلما رأى جزعها سارها ثانية فضحكت ، فسألتها عائشة عن بكائها فأبت وقالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره . فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسمت عليها عائشة عن سر بكائها فقالت فاطمة: أما الآن فنعم . أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين ، وأنه عارضه الآن مرتين ، وإني لأرى الأجل قد اقترب ، فاتقي الله واصبري ، فبكيت ، فلما رأى جزعي سارني فقال: يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة (1) ؟.
    وينبني على ما سبق ، وللموازنة بين فوائد الفحص الطبي قبل الزواج، ومحاذيره ينبغي أن يكون الفحص الجيني حسبما يقتضيه الحال . أما الفحص الطبي عن الأمراض المعدية كحال نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والوباء الكبدي والزهري ونحو ذلك فينبغي أن يكون إلزامياً ، لأن درء الأمراض المعدية من أسباب حفظ النفس الذي تقتضيه الضرورة الشرعية ، ولأن الفوائد التي ستترتب على إجرائه أهم بكثير من المحاذير التي تترتب على عدم هذا الإجراء ، عملاً بأن قواعد الشريعة وأحكامها توجب نفي الضرر ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار) (2). وقوله عليه الصلاة والسلام: (من ضار ضار الله به ومن شاق شق الله عليه) (3). وقد رتب الفقهاء على هذه الأحكام قواعد منها: أن الضرر يزال (1). وأن الضرر يدفع بقدر الإمكان (2). وأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع (3).
    وخلاصة المسألة: أن للزواج ثلاث غايات هي: السكينة بين الزوجين، والتنسيل ، وإعمار الأرض . وهذه حقيقة مشتركة بين الإنسان ، ومع ذلك فإن للزواج قضايا ومشكلات تتعلق بحال الزوجين أو أحدهما من الناحية الجسمية والعقلية .

    وقد بينت خريطة جينات الإنسان العوامل الوراثية ، وقد بلغت هذه الجينات عدة آلاف . وقد يكون لاكتشافها آثار كبيرة في معرفة علاج هذه الأمراض أو بعضها. والسؤال هو كيف يتلافى الزوجان وذريتهما للأمراض الوراثية والمعدية ؟ . ومن الواضح أن الإسلام اهتم قبل العلم الحديث بعلاج هذه الأمراض من جانبين: الأول- الوقاية منها قبل حدوثها. ويقصد من ذلك تحصين أفراد الأمة بما يمنع انتشار الأمراض بينهم سواء كانت وراثية أو معدية ، وفي مقدمة هذا الاهتمام الأمر باختيار الزوجة وتأكيد أثر الوراثة في هذا الاختيار ، والابتعاد عن المرض كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يوردن ممرض على مصح). وقوله: (إذا وقع الطاعون بأرض فلا تدخلوها). الجانب الثاني- علاج الأمراض بعد حدوثها . ونقصد منه الاهتمام بعلاج المرض بكل الوسائل المشروعة . وكما اهتم الإسلام بالوقاية من الأمراض اهتم بعلاجها ، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا عباد الله تداووا فإن الله عزوجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير الهرم) . وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) . وعلى المسلم أن يعتقد أولاً أن الله هو الشافي من المرض .

    فاقتضى هذا مشروعية الفحص الطبي قبل الزواج ؛ لما له من الفوائد العديدة مثل معرفة الأنيميا والتشوهات ، والأمراض الوراثية ، والأمراض المعدية ، ورفع الحرج عن الأسر التي ترغب في زواج أولادها . ورغم هذه الفوائد هناك عدة محاذير منها: بعد الشباب عن الزواج خوف الكشف عن خرائطهم الوراثية ، وما قد يسببه هذا الكشف من معلومات تؤدي إلى عدد من الأمراض النفسية والعضوية لمن سيعرف خريطته الوراثية . ومن هذه المحاذير كشف سر الإنسان والتعدي على خصوصيته . وقد عالج الإسلام هذه المحاذير ؛ فإذا كان يجوز للطبيب ومن في حكمه النصح لمن استشاره ، فذلك لا يعني السماح له بافشاء سر مرضاه لأنه مؤتمن ، فإن أساء أمانته عد خائناً تطبق عليه أحكام الخيانة . وكما تقع المسئولية على الطبيب تقع على كل من يعرف سراً لغيره كالزوج ، أو الزوجة ونحوهما .
    وللموازنة بين فوائد الفحص الطبي قبل الزواج ، ومحاذيره ينبغي أن يكون الفحص الجيني حسبما يقتضيه الحال . أما الفحص الطبي عن الأمراض المعدية كمرض نقص المناعة المكتسبة ، والوباء الكبدي ، والزهري ونحو ذلك فينبغي أن يكون إلزامياً لأن درء الأمراض المعدية من أسباب حفظ النفس الذي تقتضيه الضرورة الشرعية ، ولأن الفوائد التي ستترتب على إجرائه أهم بكثير من المحاذير التي تترتب على عدم هذا الإجراء، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار) . وقد رتب الفقهاء على ذلك قواعد منها أن الضرر يزال ، وأنه يدفع بقدر الإمكان ، وأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع .

    والله تعالى أعلم

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 3:49 am