صور الركن المعنوي للجريمة ( الخطأ)
الجامعه العربيه الامريكيه جنين - كلية الحقوق .
الدراسات العليا – ماجستير .
قسم القانون الجزائــــــــــــي .
مقرر قانون العقوبات العام .
حلقة بحث بعنوان
المحامي برهان شعبان
صور الركن المعنوي للجريمة ( الخطأ)
السنة الدراسية 2006 / 2007 تقديم الطالب: علي عبدا لله الحمادة
خطة البحث
الركن المعنوي للجرائم غير المقصودة (( الخطأ ))
أولاً : تمهيد
ثانياً : تعرف الخطأ
ثالثاً : الخطأ في قانون العقوبات السوري
رابعاً : الفرق بين الجريمة المقصودة وغير المقصودة
ـ المبحث الأول : عناصر الخطأ
أ- الإخلال بواجبات الحيطة والحذر
ب- توافر علاقة نفسية وذهنية ما بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية
1- عدم توقع النتيجة الجرمية
2- توقع النتيجة الجرمية
المبحث الثاني : صور الخطأ
1- الإهمال
2- قلة الاحتراز
3- عدم مراعاة الشرائع والأنظمة
4- الجريمة متعدية القصد صورة من صورة الخطأ
ـ مساهمة المجني عليه في الخطأ
* المبحث الثالث : أنواع الخطأ
أولاً _ الخطأ المصحوب بالتوقع والخطأ غير المصحوب بالتوقع
ثانياً _ الخطأ الجسيم والخطأ اليسير
ثالثاً _ الخطأ الفني والخطأ المادي
رابعاً _ الخطأ الجزائي و الخطأ المدني
* المبحث الرابع : الركن المعنوي في المخالفات
أولاً :تمهيد: إن الإنسان قد يرتكب فعل أو امتناع عن فعل إرادي يترتب عليه الأضرار بالغير لكن في الحقيقة إرادته اتجهت إلى السلوك دون النتيجة فهو لا يريد النتيجة لا بشكل مباشر ولا غير مباشر
لكن كان بوسعه تجنب الأضرار بالغير لأنه لم يتصرف بما تمليه قواعد الحيطة والحذر إلى تتطلبها الحياة الاجتماعية وهذا ما سميا بالخطأ الجزائي.
ثانياً : تعريف الخطأ :
ـ لم يعرف قانون العقوبات السوري الخطأ شأنه في ذالك شأن المشرعان المصري والفرنسي لكن المشروع الكويتي حاول تعريف الخطأ في المادة 44 من قانون الجزاء الكويتي فجاء في نصها ما يلي
(( يعد الخطأ غير العمدي متوافر إذا تصرف الفاعل عند ارتكاب الفعل على نحو لا يأتيه الشخص المعتاد إذا وجد في ظروفه بأن اتصف فعله بالرعونة أو التفريط أو الإهمال أو عدم الانتباه أو عدم مراعاة اللوائح )
ـ وقد عرفت محكمة النقض السورية الخطأ بأنه ( سلوك معيب لا يأتيه رجل بصير وجد في ذات الظروف
الخارجية التي أحاطت بالفاعل )
ـ وقد عرفه الدكتور محمود نجيب حسني بأنه ( هو إخلال الشخص عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر
التي يفرضها القانون سواء اتخذ صورة الإهمال أو قلة الاحتراز أوعدم مراعاة الشرائع والأنظمة وعدم حيلولته تبعاً لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى إحداث النتيجة الجرمية سواء إن كان لم يتوقعها في حين كان ذالك أو في استطاعته ومن واجبه أم توقها ولكن حسب غير محق أنه بإمكانه اجتنابها)
ثالثاً: الخطأ في قانون العقوبات السوري :
ـ تناول المشرع السوري في القسم العام من القانون العقوبات الخطأ في المادتين 189-190 فبين في
المادة 189 الخطأ وأشكاله فجاء في نص المادة ما يلي ( يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن إهمال أو قلة الاحتراز وعدم مراعاة الشرائع والأنظمة )
وقد حاول المشرع في المادة 190 تحديد ماهية الخطأ أوطبيعته وتبيان متى نكون أمام جريمة غير مقصودة فجاء في نصها ما يلي ( تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها وسواء توقعها فحسب بأن بإمكانه اجتنابها)
وقد بين المشرع في هذه المادة انه يمكن أن يقع الخطأ في حالتين وهما :
1- حالة الخطأ من غير توقع هنا يكون الجاني لم يتوقع النتيجة وكان في استطاعته أو من واجبه توقعها فسائق السيارة الذي يقود سيارته في طريق مزدحم بالمارة من واجبه واستطاعته توقع انه قد يدهس احد المارة ولكنه لا يتوقع ذلك .
2- حالة الخطأ مع التوقع: هنا الجاني يتوقع النتيجة لكنه يعتمد على مهارته وقدرته في تجنبها
في مثالنا السابق إذا توقع السائق انه ربما يدهس احد المارة لكنه اعتمد على قدرته ومهارته في القيادة في تجنب حدوث النتيجة الجرمية لكنه يفشل
رابعاً : الفرق بين الجريمة المقصودة والجريمة الغير مقصودة
الأصل في الجرائم أن تكون قصدية والاستثناء أن تكون غير قصدية وبالتالي إذا سكت المشرع عن بيان صورة الركن المعنوي في جريمة ما فمعنا ذالك انه يتطلب فيها القصد أما إذا قدر الاكتفاء بالخطأ يجب أن يفصح عن ذالك .
والفرق الأساسي بين الجرم المقصود والجرم غير المقصود هو بأنه في الجريمة المقصودة تتجه إرادة الجاني إلى الفعل والنتيجة معاً أي انه سيطر على ماديات الجريمة بشكل كامل أما في الجريمة غير المقصودة الفاعل يتجه بإرادته نحو الفعل لكنه لا يريد النتيجة أي انه سيطرة على بعض ماديات الجريمة (1)
المبحث الأول
عناصر الخطأ
الخطأ يقوم على عنصرين هما:
1-الإخلال بواجبات الحيطة والحذر .
2- توافر علاقة نفسية وذهنية تصل ما بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية.
1 ـ الإخلال بواجبات الحيطة والحذر
قبل البحث في كيفية الإخلال بواجبات الحيطة والحذر يجب التعرف على مصادر هذه الواجبات وهي إما إن يكون مصدرها القانون ( ويأخذ القانون هنا بمفهومه الواسع فيشمل اللوائح والأوامر والتعليمات الإدارية في كل صورها ) أو أن يكون مصدرها الخبرة الإنسانية العامة حيث تقرر هذه الخبرة مجموعة من القواعد التي تحدد السلوك الصحيح وتساهم العلوم والفنون واعتبارات الملائمة في تكوين هذه الخبرة (2)
لكن ما هو الضابط أو المعيار الذي يمكن أن يحدد هل الشخص تصرف بحيطة و حذر أم لا ؟
وجد اتجاهان في الفقه:
1- الاتجاه الأول المعيار الشخصي ويراد به قياس السلوك الذي صدر عن الفاعل في ظروف معينة على أساس سلوكه المعتاد فان كان هذا السلوك اقل حيطة مما الفناه منه أعتبره مخالفا لواجبات الحيطة والحذر .
2- الاتجاه الثاني : المعيار الموضوعي ليرى أصحاب هذا الاتجاه أن دراسة كل شخص على حدا أمر صعب لذلك يجب أن نقيس السلوك الذي صدره عن الفاعل بسلوك شخصاً افتراضي وهمي نعتبره عادياً ومتوسط في سلوكه يسمى الشخص المعتاد فإذا كان الشخص المعتاد سيتصرف نفس تصرف الفاعل اعتبر غير مخل لواجبات الحيطة و الحذر أم انه سيتصرف تصرف أكثر حيطة وحذراً فيكو بالتالي مخلاً بواجبات الحيطة والحذر
ـ والمعيار الأسلم هو المعيار الموضوعي لان المعيار أو الضابط الشخصي يجعل الأغبياء والرعناء والمستهترين في مأمن من العقاب بينما الأذكياء والأشخاص الحذرين عرضة للمساءلة بسبب قدرتهم على اليقظة والحذر وبالتالي هو معيار غير عادل بينما المعيار الموضوعي يعتمد على الشخص المعتاد أو الرجل المتوسط الذي يظل مقبولا من جميع الناس وصالحا للتطبيق بجميع الحالات (1)
ـ لكن يجب عدم الأخذ بسلوك الشخص المعتاد بشكله المجرد لكن يجب تقديره في نفس الظروف التي أحاطت بالفاعل كالظروف الطبيعية والنفسية والعضوية وغيرها من الظروف التي تحيط بالفاعل أي ان نفترض أن الشخص المعتاد قد أحاطت به نفس ظروف الفاعل ونجعل ذالك قياساً لسلوك الفاعل هل كان سيتصرف نفس تصرف الفاعل وبالتالي لا مجال للقول بالإخلال بواجبات الحيطة والحذر أما انه كان سيتصرف تصرفاً أكثر حيطة وحذر وبالتالي يعتبر الفاعل مخلاً بواجبات الحيطة والحذر ويعود ذلك لتقدير القاضي
مثال : الشخص الذي يصطاد وأصاب شخصاً بعيار ناري بالخطأ فهنا عندما يقيم القاضي سلوك الفاعل يقيسه بسلوك الرجل المعتاد ويضعه بنفس الظروف التي مر بها الفاعل أي هل كان يصطاد ليلاً أم نهاراً في جو صحو أو ممطر أو كان خائفاً أم لا وغيرها من الظروف
2ــ توافر علاقة نفسية وذهنية تصل ما بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية
القانون لا يعاقب على مجرد الإخلال في واجبات الحيطة والحذر إلا إذا كان هذا الإخلال جريمة بحد ذاتها
مثال : قيادة السيارة بسرعة زائدة عن الحد المسموح به قانونا حتى ولو لم تؤدي إلى دهس احد المارة مثلا فإنها تستوجب المخالفة .
لكن بشكل عام القانون لا يعاقب على مجرد الإخلال بواجبات الحيطة والحذر إلا إذا أدت إلى نتيجة جرمية أي وجود صلة بين الإرادة والنتيجة ( فالمسؤولية الجزائية لا تترتب إلا إذا كان الفعل إراديا وارتكب الفاعل الجريمة بصورة مقصودة أو بخطأ غير مقصود ) (2)
وللعلاقة النفسية والذهنية بين الإرادة والنتيجة صورتان:
• الصورة الأولى : لا يتوقع المجرم فيها حدوث النتيجة فلا يبذل جهداً لتجنبها في حين كان باستطاعته ومن واجبه توقعها
• الصورة الثانية : صورة يتوقع فيها المجرم النتيجة لكن لا يريدها ويعتمد على مهاراته وقدراته في تجنبها لكنه يفشل وأيضاً قد يتوقع النتيجة لكن لا يكترث بها فلا يتخذ الإحتياطات لتجنب حدوثها
مثال : فسائق السيارة الذي يقود سيارته بسرعة بطريق مزدحم بالمارة قد لا يتوقع أن يدهس احد المارة مع
إن من واجبه وباستطاعته وتوقعها وبالتالي لا يتخذ الإحتياطات الكافية لتفادي النتيجة وبالتالي تتحقق الصورة الأولى .
أو انه يتوقع النتيجة لكن يعتمد على مهارته في القيادة لتفادي إصابة احد المارة لكنه يفشل أو انه يتوقع إصابة احد المارة لكنه لا يكترث لذالك وهنا تتحقق الصورة الثانية .
* الصورة الأولى : عدم توقع النتيجة الجرمية:
للوهلة الأولى يتبادل للذهن أن ما دام الفاعل لم يتوقع النتيجة الجرمية بالتالي ليس هناك صلة بينها وبين إرادته لكن في الحقيقة هذه الصلة قائمة وموجودة مادامت العناصر التالية موجودة :
1ـ إن كان في استطاعته توقع النتيجة وكان من واجبه توقعها
2ـ إن كان في استطاعته أن يحول دون حدوثها وكان من واجبه الحيلولة دون وقوعها
وبالتالي إذا لم يكن بإستطاعة الفاعل توقع النتيجة ولم يكن في استطاعة الحيلولة دون حدوثها لا تقوم الصلة النفسية بين الإرادة والنتيجة الجرمية لأنه لا يمكن أن يكلف شخص بتوقع ما ليس متوقعاً أو بالحيلولة دون حدوث نتيجة لا يمكن ذرئها .
وتعد النتيجة متوقعة إذا كان حدوثها يدخل في نطاق السير العادي للأمور أما إذا تدخلت عوامل شاذة لا تتفق مع المألوف فهي غير متوقعة .
والمثال الأبرز الذي طرحه الفقه هو ( الممرضة إذا أخلت بواجبها فأعطت المريض دواءه مرتين بدلاً من مرة واحدة كما تقضي بذلك تعليمات الطبيب ولكن شخصاً ما وضع سماً في قارورة الدواء في الفترة التي مضت بين المرتين فترتب على تناول المريض الجرعة الثانية موته فإن خطأ الممرضة لا يعد منصرفاً الى النتيجة فعلى الرغم من إخلال الممرضة بواجبات الحيطة والحذر المفروضة عليها فلم يكن بوسعها توقع وفاة المريض لأنها حدثت بسبب عوامل شاذة فلا تقوم المسؤولية الجزائية لانتفاء الركن المعنوي لجريمة القتل الخطأ لكن ينسب إلى خطأها نتيجة أخرى كان في وسعها توقعها هي الضرر الصحي التي تترتب على تناول المريض جرعة مضاعفة من الدواء.
* الصورة الثانية : توقع النتيجة الجرمية :
هنا الجاني توقع النتيجة الجرمية لكنه لم يتجه بإرادته إليها وهنا تتشابه هذه الصورة مع القصد الإحتمالي ووجه التشابه بين هذه الصورة و القصد الإحتمالي في توقع النتيجة الجرمية كأثر ممكن للفعل ولكن الاختلاف في عدم اتجاه الإرادة إلى هذه النتيجة الجرمية في هذه الصورة من الخطأ بينما في القصد الإحتمالي يتوقع المجرم النتيجة كأثر ممكن لفعله أو عدم فعله ثم قبلها واعتبارها غرضاً ثانياً لفعله .
مثال : فالرامي بالسيرك الذي يرمي الخنجر مثلاً باتجاه شيء يضعه شخص فوق رأسه يتوقع أن يصيب هذا الشخص لكن يعتمد على مهارته في الرمي لتفادي إصابة هذا الشخص فان أصابه فهو لا يريد النتيجة الجرمية وبالتالي تتوافر الصلة النفسية والذهنية بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية وبالتالي تقوم المسؤولية الجزائية على أساس الخطأ أما إذا شعر الرامي مثلاً انه ليس بحالته الطبيعية وتوقع أن يصيب الشخص الذي أمامه ورحب بذلك فان في هذه الحالة الأخيرة نكون أمام القصد الإحتمالي وبتالي تقوم المسؤولية الجزائية على أساس القصد الجرمي .
ـ الخطأ مع التوقع ينقسم إلى قسمين :
* الخطأ مع توقع النتيجة الجرمية و الاعتماد على القدرات والمهارات من اجل تفاديها لكن لا يحول ذلك دون وقوع النتيجة الجرمية
* الخطأ مع توقع النتيجة وعدم الاكتراث بها أي عدم اتخاذ الإحتياطات الكافية لتفاديها .
ـ ويجب الإشارة إلى أهمية العلاقة النفسية بين الإرادة والنتيجة الجرمية من الناحية القانونية فهي يمكن أن تؤدي إلى عدم قيام المسؤولية الجزائية لانتفاء الركن المعنوي في حال عدم وجود صلة بين الإرادة والنتيجة.
وكذلك تؤدي إلى التميز بين القصد والخطأ فإذا لم يتوقع المجرم النتيجة ولم يكن باستطاعته ومن واجبه توقعها ولم يكن باستطاعته أن يحول دون وقوعها فلا محل للخطأ في الحالتين اما اذا توقع المجرم النتيجة فاتجهت اليها ارادته يتوافر القصد . (1)
المبحث الثاني
صور الخطأ
بين المشرع السوري صور الخطأ وعددها وهي الاهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة الشرائع والانظمة وذالك من خلال نص المادة 189 من قانون العقوبات السوري وقد كرر المشرع هذه الصور في العديد من نصوص قانون العقوبات القسم الخاص وقانون العقوبات الاقتصادية .
ومنها المادة 550 من قانون العقوبات التي جاء في نصها ما يلي ( من سبب موت احد عن اهمال او قلة احتراز او عدم مراعاة القوانين والانظمة عوقبة بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات )
ـ وبالتالي نص المشرع السوري على ثلاث حالات للخطأ بينما نص المشرع الفرنسي والمشرع المغربي على خمس حالات والمشرع المصري على اربع حالات .
ـ وتجدر الاشارة ان تعداد صور الخطأ لا يعني وجوب اجتماعها بل يكتفي بصورة واحدة حتى تقوم المسؤولية الجزائية وهذا ماذهبت اليه محكمة النقض السورية بقولها ( تتعدد صور الخطأ في المادة 550 لا يؤدي الى وجوب اجتماعها بل يكفي وجود واحد منها كمخالفة القوانين المرعية ) (1)
ويبدو ان المشرع قد عدد صور الخطأ على سبيل الحصر لا سبيل المثال وهذا ما ذهبت اليه محكمة النقض من خلال حكمها التالي ( ان الخطأ لا يتساوى مع كل عمل غير مقصود بل لا بد ان يكون الخطأ ناشئاً من احد الاسباب الثلاثة وهي الاهمال وقلة الاحتزاز وعدم مراعاة الانظمة .... فمن خرج من محفل او نادي واخذ رداء الغير ظناً انه رداءه فلاينسب اليه جرم السرقة ) (2)
والاسباب التي دفعت محكمة النقض الى اعتبار حالات الخطأ الواردة في المادة 189 وغيرها من المواد حصرية .
1ـ احترام مبدأ الشرعية أي يجب ان تكون العقوبات والجرائم قانونية وبالتالي أي جريمة سواء كانت مقصودة او غير مقصودة لا يعاقب عليها الا اذا نص القانون صراحة على تحديد اركانها وشروطها
2ـ ان حالات الخطأ التي ذكرت في قانون العقوبات تعتبر شاملة لكل حالة من حالات الخطأ التي يمكن ان تقع .
ـ ويذهب جانب من الفقه ( ومنهم د. محمود نجيب حسني ) الى ان التعداد الوارد في قانون العقوبات لحالات الخطأ هو تعداد على سبيل المثال لا لحصر وبالتالي كل حالة تتوافر فيها عناصر الخطأ لكنها لا تدخل ضمن الصور التي عددها القانون فان المنطق يفرض اعتبار المسؤولية الجزائية تقوم من خلالها .
وفيما يلي تبيان للصور التي حددها المشرع :
1ـ الاهمال : او الخطأ عن طريق الامتناع أي حالة الفاعل الذي يرتكب الخطأ بوقوفه موقفاً سلبياً أي دون ان يقوم بما تستلزمه قواعد الحيطة والحذر .
مثال : حائز الحيوان الخطر الذي يهمل في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحبسه عن الناس فينفلت ويأذي احد الناس .
ـ وقد عرفت محكمة النقض السورية الاهمال بقولها ( هو الامتناع عن عمل وجب فعله ) (1)
ـ ويدخل في مفهوم الاهمال عدم الانتباه وهو يشمل الخطة التي لا تعزر كمن يعرف حالة مجنون اوكلت اليه حراسته فيهمل حراسته ويدعه طليقا فيعتدي على احد الناس (2)
2ـ قلة الاحتراز : او عدم الاحتياط وهو خطأ ينطوي عليه نشاط ايجابي يقوم به الجاني ( وقلة الاحتراز هي قلة التبصر وعدم تقدير النتائج تقديراً كافياً ) (3)
فالمرأة التي تنام الى جانب رضيعها وتنقلب عليه ليلاً فيختنق تعتبر مسؤولة عن قلة احترازها وتعاقب كقاتلة خطأ .
وتعرف محكمة النقض السوري الاحتراز بأنها ( هي عدم التبصير في العواقب رغم كون الفاعل يدرك طبيعة عمله وما يمكن ان يترتب عليه من خطر وضرر بالغير ولكنه لا يبالي لذلك . (1)
مثال: فمن يلقي من سطحه جسماً ثقيلاً على الطريق دون ان ينتبه الى مرور احد الاشخاص فقتله فهو مسؤول عن خطئه .
ـ وتدخل الرعونة في مفهوم قلة الاحتراز و الرعونة خطأ اهل الفن وبصورة خاصة الاطباء والمهندسين والصيادلة اذا تسببو في قتل احد او اصابته بجراح او عاهة لجهلهم امورا لا يجوز لهم من الناحية الفنية ان يجهلوها او يعملوها. (1)
مثال : اذا استعمل الطبيب الات غير طبية او غير معقمة وادى ذلك الى موت المريض فانه مسؤول عن جريمة غير مقصودة .
ويجب الاشارة انه حتى يعاقب الفاعل في صورتين السابقتين يجب ان يتم الجرم بالفعل أي يجب ان تكون هناك نتيجة جرمية فالطبيب في المثال السابق اذا لم يؤدي خطأه الى موت المريض اوحتى ايذاءه لا تقوم المسؤولية الجزائية للطبيب .
3ـ عدم مراعاة الشرائع والانظمة :
ان الخطأ يقوم في هذه الصورة في حال خالف سلوك الجاني القواعد الى تقررها الشرائع والانظمة وبالتالي تقوم المسؤولية الجزائية دون الحاجة الى ارتكاب أي نوع آخر من انواع الخطأ ودون الحاجة الى وقوع ضرر بأحد .
والمقصود بالشرائع والانظمة والقوانين والنصوص التشريعية اما تصدر عن السلطة التشريعية ( مجلس الشعب) ورئيس الجمهورية في حالات استثنائية وتشمل كذالك المراسيم التنظيمية ذات الصفة القانونية والقواعد التي تقدر عن الجبهات الادارية كالوزارات والبلديات بهدف الحفاظ على الامن وصيانة الانظمة العامة كأنظمة المرور والنقل والصحة والبناء .....الخ . (3)
وكذالك تشمل قوانين تنظيم الصناعات والمهن المختلفة كقانون مزاولة مهنة الطب والمحاماه وقانون السير وغيرها .
كما تشمل أيضاً المواد الواردة في الباب الخاص بالمخالفات في قانون العقوبات كالمخالفات المتعلقة بالطرق والمحلات العامة ... وغيرها .
ومثالها المادة 738 قانون العقوبات السوري التي نصت على ما يلي ( 1_ يستحق العقوبة المذكورة في المادة السابقة (1) من أقدم في الأماكن المأهولة
أ_ على أركاض حيوانات الجر والحمل والركوب وغيرها من الماشية او على اطلاقها
ب_ على إطلاق عيارات نارية بدون داع أو مواد متفجرة
ج_ على إطلاق أسهم نارية بصورة يحتمل معها وقوع خطر على الأشخاص أو الأشياء .
2ـ تصادر الأسلحة والأسهم المضبوطة .
3ـ ويمكن في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية إنزال عقوبة الحبس التكديري .
وقد تؤدي مخالفة القوانين والأنظمة الى جرمين في نفس الوقت فالشخص الذي يطلق عيارات نارية في العرس احتفالاً ويصيب احد الأشخاص مما أدى إلى وفاة هذا الشخص فهنا عدم مراعاة الشرائع والأنظمة إلى جرمين
الأول: جرم المخالفة المنصوص عليه في المادة 738
الثاني: جرم القتل الخطأ المنصوص عليه في المادة 550
ويبدو إن هذه الصورة من صور الخطأ سهلة الإثبات إذ يكفي الإشارة إلى النص الذي خالف الفاعل بسلوكه أحكام لان القاعدة العامة تقول بأنه لا جعل في القوانين .
4ـ الجريمة متعدية القصد صورة من صور الخطأ
ان الجريمة متعدية القصد تعتبر صورة مستقلة قائمة بذاتها في نظرية الخطأ الجنائي فالجريمة المتعدية القصد تتميز بركن الخطأ فيها فهذا الركن المعنوي المبني على تجاوز النتيجة للقصد يفترض بالضرورة تعدد الاحداث في الجريمة المتعدية القصد فالقصد يذهب الى الحدث البسيط ( الحدث المقصود ) ولا ينصرف الى الحدث الجسيم ( الحدث المتعدي ) (1)
وابرز مثال للجريمة متعدية القصد هو الضرب المفضي الى الموت فالقصد هنا متجه الى الايذاء لكن النتيجة تتعدى ذالك الى الموت .
ويرى بعض الفقهاء ان الجريمة المتعدية القصد تنتمي الى القصد الاحتمالي وهذا رأي غير سليم لان القصد الاحتمالي لايفترض فيه التوقع افتراضاً بل يجب ان يتوقع الجاني فعلاً وقوع الحدث الاشد جسامة ويستوي عنده ان تحصل او لا .
والقصد المتعدي صورة من صور الخطأ الجزائي لان الارادة اتجهت الى الحدث البسيط ولم تتجه الى الحدث المتعدي الجسيم فالجاني خلال ارتكابه الجريمة المقصودة اخل بواجبات الحيطة ةالحذر ولم يتخذ الاحتياطات اكافية لكي لا يتجاوز النتيجة الجرمية المقصودة الى اخرى اكثر جسامة مع عدم توقعه للحدث الجسيم مع ان كان من واجبه وباستطاعته توقعه وعدم حيلولته دون وقع النتيجة مع امكانية ذالك او انه توقعها فحسب مخطئاً ان بأمكانه تجنبها . (2)
*: مساهمة المجني عليه في الخطأ :
ـ لا يضع القانون قاعدة تقضي بأن خطأ المجني عليه او خطأ شخص ثالث ساهم في احداث النتيجة الجرمية ينفي المسؤولية عن الفاعل طالما ان الخطأ المجني عليه او الشخص الثالث لم ينفي العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة اذا لا مقاصة بين الاخطاء في التشريع الجزائي (2)
مثال : فالشخص الذي يقطع الشارع من غير الاماكن المخصصة بصورة المشاة يكون مخطىء لكن هذا لا يعني انتفاء المسؤولية عن سائق السيارة الذي يدهسه فتبقى مسؤولية السائق كاملة وان كان خطأ المجني عليه يخفض في التعويض والعقوبة وذالك بحسب نسبته وذاك راجع للسلطة التقديرية للقاضي .
المبحث الثالث
انواع الخطأ
ان المسؤولية الجزائية التي تتولد عن الخطأ تختلف تبعاً لنوع ذالك الخطأ واهم انواع الخطأ المعروفة في الفقه والقانون هي :
الخطأ المصحوب بالتوقع والخطأ غير المصحوب بالتوقع
الخطأ الجسيم والخطأ اليسير
الخطأ الفني والخطأ المادي
الخطأ الجزائي والخطأ المدني
اولاًـ الخطأ المصحوب بالتوقع والخطأ غير المصحوب بالتوقع :
* الخطأ المصحوب بالتوقع ( الخطأ الشعوري ) :
يتمثل هذا الخطأ بتوقع الفاعل للنتيجة الجرمية التي من الممكن ان تتولد عن فعله وهو غير راغب بها ولكنه يظن ويعتقد انه بامكانه تجاوزها واجتنابها بما يملكه من مهارة
فسائق السيارة الذي يتجاوز سيارة اخرى رغم سيارة ثالثة في الاتجاه المقابل ظاناً انه يمكنه تلافي صدمها بسبب سرعته ومهارته فيخطأ الظن ويصدمها فعلاً فالسائق هنا انما يرتكب خطأً شعورياً لتوقعه النتيجة ومع ذالك خرج عن قواعد الحيطة ظاناً امكانية تلافي الضرر بمهارته .
وهنا لابد من التفريق بين الخطأ الشعوري المصحوب بالتوقع والقصد الاحتمالي :الخطأ الشعوري المصحوب بالتوقع الفاعل توقع النتيجة لكنه لا يرضى بالنتيجة الجرمية ولو علمة بأنه سيعجز عن تلافيها وتداركها لما اقدم على فعله .
اما القصد الاحتمالي فالفاعل يتوقع النتيجة ولكن مع ذالك يقبل بالخاطرة ضارباً عرض الحاط بما ينتج عن فعله فهذا الشخص ينم عن خطورة اجرامية وبذلك اعتبره المشرع بمثابة قصد اجرامي تام .
فسائق سيارة الشاحنة اذا اقدم على تجاوز سيارة امامه على منعطف غير مرئي وتوقع امكانية قدوم سيارة اخرى في الاتجاه المعاكس فقبل بحدوث النتيجة معتمداً على صلابة سيارته وضخامته وعدم احتمال اصابته شخصياً بضرر وان ادى الامر الى اصابة السيارة المحتمل ظهورها امامه فان وقوع الحادث فعلاً ووفاة ركاب السيارة القادمة امام سلق الشاحنة يجعله مرتكباً قتلاً مقصوداً لتوقعه مسبقاً وقوع الحادث وقبوله بوفاة غيره نتيجة خطأه .
• الخطأ غير المصحوب بالتوقع ( الخطأ اللاشعوري ) :
يتمثل هذا الخطأ في عدم توقع الفاعل النتيجة الجرمية التي احدثها فعله او عدم فعله المخطئين في حين انه كان من واجبه ان يتوقعها وبستطاعته ان يتوقها فيما لو بذل العناية الكافية لدى الشخص المعتاد .
فسهو الفاعل عالتوقع تبعة فعله هو الذي يشكل سبباً لمعاقبته ومسائلته اما لو تعزر عليه توقعها لاسباب خارجة عن ارادته فلا يعتبر مسؤولاً عن الضرر الواقع كأن يتسبب سائق سيارة بحادث وقد اغمي عليه او تحت تأثير مخدر دس له دون علمه فهنا يجب تقدير نية الفاعل وعدم توقعه لنتيجة فعله وقت وقع الفعل لا وقت حدوث النتيجة فقسائق السيارة الذي يغلب عليه النعاس ويستمر في قيادة سيارته ويدهس شخصاً فهنا كان عليه ان يتوقع النتيجة لدى الشعور بالنعاس وان كان يتعذر عليه ذلك عند وقوع الحادث .
ثانياً : الخطأ اليسير والخطأ الجسيم :
• الخطأ اليسير : هو الخطأ قليل الاهمية الذي يبقى في حدود المألوف
• الخطأ الجسيم : هو الخطأ الذي يؤدي الى ضرر كبير ويتجاوز المألوف ويتجاوز ما يمكن ان يرتكبه الشخص المعتاد .
وأضفى القائلون في هذه التفرقة اهمية بالغة عليها في القانون الجنائي فقالو بأن هذا القانون لا يعترف الا بالخطأ الجسيم اما الخطأ اليسير فلا تقوم به سوى مسؤولية مدنية ولكن هذا القول ثبت فساده اذ رجح مبدأ وحدة الخطأين الجزائي والمدني .
ان اثارة ما اذا كان الخطأ جسيماً او يسيراً لا تثار الا في معرض الاخطاء التي يرتكبها اهل الفن والصنعة كما سنرى .
اهم ما يعيب هذه التفرقة بينما هو جسيم وما هو يسير من الخطأ هو افتقارها الى معيار تقوم عليه بل ان وجودها يهدمه ان للخطأ في القانون الجزائي معيار واحد هو الشخص المعتاد مما يجعل الرجوع الى معيار آخر هو ( الشخص شديد الحرص ) واقامة التفرقة بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير مع اساس منه قولاً غير متفق مع الفكرة الاساسية للخطأ (1)
ثالثا ً الخطأ الفني والخطأ المادي :
* الخطأ الفني : هو الخطأ الذي يرتكبه اهل الفن والصنعة في معرض ممارساتهم لصنعتهم وحرفتهم .
اذاً ما يصدر عن رجال الفن من اخطاء تتعلق بأعمال مهنتهم يعبر عنها بالخطأ الفني.
* الخطأ المادي ( العادي ) هو الخطأ الذي يرتكبه احد العوام بمخالفته لواجبات الحيطة والحذر .
يمتاز الخطأ الفني بأنه لا يقع الا من اصحاب الفن والحرفة في معرض ممارساتهم لحرفهم وقوامه مخالفة الاصول الفنية والعلمية لمهنهم او الجهل بالقواعد الفنية او تطبيقها تطبيقاً غير صحيح او سو التقدير فيما تخوله من مجال تقديره .
اما الخطأ المادي (العادي) فهو يرتكب من أي شخص عادي و يمكن ان يرتكب من اصحاب الفن و الصنعة سواء في نطاق مهنتهم باعتبارهم ملتزمون بهذه الواجبات العامة قبل ان يلتزمو بالقواعد العلمية او الفنية
او في نطاق حياتهم العادية المستقلة عن مهنهم فالطبيب الذي يرتكب حادث سير بسيارته فما هو الخطأ الذي يرتكبته ؟
الخطأ هنا هو خطأ عادي صحيح ان مرتكبه طبيب ولكنه لم يرتكب هذا الخطأ في معرض ممارسته لمهنة الطب لكنه ارتكبه في معرض ممارسته لحياته العادية القائلون بهذه التفرقة علقوا عليها اهمية كبيرة حيث ذهبوا الى القول بأن المسؤولية عن الخطأ الفني بحجة ان ما يمتلكه رجال الفن والصنعة من علم كفيل بأن يجعلهم محلاً للثقة في ان يباشرو مهنتهم على النحو الصحيح ثم ان في رقابة الرأي العام ما يغني عن رقابة القانون وفي النهاية ان التقدم العلمي لا يحتاج الا اذا امن رجال الفن والصنعة من المسؤولية عما يصدر عنه من اخطاء فنية اذ أن التهديد الدائم بها يثنيه عن التجديد والابتكار (2)
وبالتالي ونعد هذا الاتجاه أن المسؤولية عن الخطأ الفني الا اذا كان جسيماً اما الخطأ المادي فتخضع المسؤولية عنه للقواعد العامة والحجة في ذلك تكمن في الصعوبة التي يصادفها القاضي اذا اقحم نفسه في مناقشات فنية بعيدة عن ميدان تخصصه مما يقتضي اختصار رقابته على الحالات الواضحة للخطأ الفني واجتناب البحث في الاخطاء اليسيرة بالاضافة الى التقدم العلمي يتطلب قدراً من حرية البحث والتجربة وهو ما لا يتوافر اذا كان رجل الفن مسؤولاً عن كل اخطاء ه ولكن الذي ينال من هذه الحجج ان التفرقة بين الخطأ المهني الجسيم ونظيره اليسير عسيرة التطبيق فليس ثمة ضابط واضح يعتمد عليه مما يخشى معه ان ينتهي بها الامر الى حكم لا تضبطه قوانين اضف الى ذلك ان واجب حماية المجتمع وافراده من اهل الفن الخاطئين يستبع مساءلتهم عن اخطائهم المهنية حتى لا يعبثوا بسلامة المجتمع واهله ولا يتخذوا من تخصصهم ستاراً يخفون وراءه جهلهم او تهاونهم وبالتالي ان هذه التفرقة لا محل لها (4) ويتعين ان تطبيق على الاخطاء الصادرة عن رجال الفن في معرض
مباشرتهم اعمال مهنتهم القواعد العامة التي تحدد عناصر الخطأ غير العمدي فليس هناك ما يعتقد عمل القاضي او يهدد التقدم العلمي فثمة قواعد مستقرة في كل علم وفن وثمة مجال تقديري تعترف به هذه القواعد او تقرره الاصول العلمية العامة فالخطأ المتعلق بتطبيق القواعد المستقرة تنشأ عنه المسؤولية سواء كان يسيراً ام جسيماً ولا صعوبة تواجه القاضي حين يكشف هذه القواعد اذا هي معروفة وواضحة وفي استطاعته الخبير ان يبزها للقاضي وليس من شأن هذه المسؤولية ان تهدد التقدم العلمي اذ هذه القواعد واضحة ومسلم بها .
ام المجال التقديري الذي تقرره القواعد والاصول العلمية فلا شأن للقضاء به اذ يعترف العلم بما يدور فيه من خلاف ويفترض قدراً من الصحة في الآراء المختلفة ومن ثم لا يتوافر الخطأ اذا اخذ رجل الفني او الصنعة برأي محل خلاف او برأي المرجوح طالما له سنده العلمي القوي .
رابعاً: الخطا الجزائي و الخطأ المدني :
الخطأ الجزائي : هو خطأ ينتج عنه نتيجة ضارة فيعاقب القانون مرتكبه بعقوبة جزائية ويلزمه بالتعويض
الخطأ المدني : هو الخطأ ينتج عنه ضرر يلتزم من يرتكبه بالتعويض اذاً فكلا الخطأين ينتج عن اخلال الفاعل بواجب الحيطة والحذر والمسؤوليتان الجزائية والمدنية تؤديان وظيفة واحدة وهي على كل سلوك خاطىء يسبب ضرر او اذى للفرد او المجتمع ولكنهما في الواقع من حيث ان الافعال التي تكون المسؤولية الجزائية محددة بنص القانون استناداً لمبدأ الشرعية اما الافعال المكونة للمسؤولية المدنية فيها غير محددة ولا يمكن حصرها المهم ان يتولد عنها ضرر.
اضف الى ذلك ان الخطأ الجزائي تقام من اجله دعوى امام المحاكم الجزائية ( الدعوى العامة ) كما يمكن ان تقام من اجله دعوى مدنية ( دعوة الحق الشخصي ) وهما لا يقامان الا امام المحاكم الجزائية .
اما الخطأ المدني فتقام من اجله دعوى مدنية فقط اما القضاء المدني (1)
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الان :
هل يشترط القانون الجزائي في الخطأ ان يكون على درجة معينة في الجسامة ام شأنه في ذلك شأن القانون المدني الذي يقرر ان ( كل خطأ سبب ضرر للغير يلتزم من ارتكبه بالتعويض) .؟(2)
في الواقع للاجابة على هذا السؤال ظهر في الفقه اتجاهين
ـ الاتجاه الاول : لتقرير المسؤولية الجزائية يجب ان يكون الخطأ على درجة معينة من الجسامة أي وفق هذا الرأي الخطأ الجزائي يجب ان يكون جسيماً اكثر من الخطأ المدني فالخطأ اليسير لا يصلح لقيام المسؤولية الجزائية (3)
اما الخطأ المدني فكل خطأ مهما كان يسيراً كاف لتقوم به المسؤولية المدنية فالأخطاء على اختلاف درجاتها متعادلة في القانون المدني ويحتج انصار هذا الرأي في الاختلاف في الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها كل من المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية .
فالمسؤولية الجزائية تهدف الى الردع ولا حاجة الى الردع الا حيث تكون شخصية الفاعل خطرة وهذه الخطورة لا يكشف عنها سوى الخطأ الجسيم .
اما المسؤولية المدنية فهي تهدف الى اعادة التوازن بين ذمتين ماليتين عن طريق الزام شخص ما بأن يعوض ما نقص من ذمة الآخر من جراء فعله الضار .
فالمشكلة القائمة هي الموازنة بين ذمتين وتحديد ايهما تتحمل عبء الضرر وغني من البيان ان الخطأ ولو كان يسيراً يكفي لترجيح احدهما على الآخرى وبالتالي فأن الموازنة والتميز بين نوعي الخطأ المدني والجزائي هو في مصلحة العدالة (4)
اذاً هذا الرأي يقرر مبدأ ازدواج الخطأ في القانونين .
ـ اما الاتجاه الثاني يقول : ان أي خطأ يولد المسؤولية المدنية يولد في نفس الوقت المسؤولية الجزائية وذلك يعني ان الخطأ اليسير تقوم به المسؤولية الجزائية إسوة بالمسؤولية المدنية
ـ أنكر أنصار هذا الرأي اختلاف الوظيفة المدنية عن وظيفة المسؤولية الجزائية أدى انتشار للآلات الى جسامة الأضرار التي تترتب عليها فلم يعيد التعويض جزاءً كافياً لحماية الفرد والمجتمع اتجاه هذه الأضرار ولو كان الخطأ يسيراً ان انتشار التأمين لم يعد يشعر الفاعل بعبأ التعويض فإذا لم يوقع عقاب انتقى كل جزء عن السلوك الخاطىء الذي افضى إلى هذه الأضرار ( 1 )
وعلاوة على ذلك فان القول بزدواج الخطأ ينطوي على تناقض بين حيث ان النظام القانوني العام للدولة تجمع بين اجزائه وحدة الغاية الاجتماعية والمبادىء الأساسية فكيف يقبل المنطق السليم وطبقاً لنظام قانوني واحد ان يكون فعلاً مشوباً بالخطأ بالنسبة الى قانون وغير مشوباً بالخطأ بالنسبة الى قانوناً آخر في نفس الوقت
ان أهمية العملية للقول بوحدة الخطأ الجزائي والمدني وازدواجهما هو تحيدها للحكم الجزائي من حجة بالنسبة للدعوى المدنية فاذا قلنا بوحدة الخطأ مهما كان ضئيلاً تكفي لتحقيق المسؤولية ومتى كان الامر كذلك فان براءة المتهم في الدعوى الجزائية لعدم ثبوت الخطأ الذي رفعت به الدعوى العامة تستلزم حتماً رفض الدعوى المدنية المؤسسة على هذا الخطأ المدى به ويكون لحكم البراءة قوة الشيىء المحكوم به اذا رفع النزال بعد ذلك امام المحكمة المدنية .
ان هذا الرأي اعدل واكثر انسجاماً مع النظريات القانونية الحديثة في الخطأ وعلى هذا اذا اعلنت المحكمة الجزائية أن المتهم لم يكن مهملاً وقليل الاحتراز تعذر أمام القضاء المدني القول بوجود الخطأ فعناصر الخطأ هي واحدة فاذا انتفت فيكون انتفاؤها على الصعيدين المدني والجزائي .
كل ذالك بشرط أن يكون القانون الجزائي مشاملاً لصورة الخطأ (2)
أما اذا كان القانون الجزائي يعاقب على صورة معينة من الخطأ دون سواها فالحكم الصادر بالبراءة لايمنع القاضي المدني من نسبة الخطأ الى المتهم على أساس مغاير للصورة المعنية .
أما اذا صدرت البراءة بعدم كفاية الاداة فحسب القواعد العامة ان المحكمة الوطنية تستطيع ان تنظر بالدعوى المدنية وتقرر ما تشاء من التعويض لان قرار البراءة لم يستند على عدم وقوع الفعل او عدم الاشتراك المتهم فيه أما استند الى قاعدة الشك في مصلحة المتهم الا أن جانباً كبيراً من الفقه والاجتهاد رأى الخروج من القواعد كعامة منعاً لحصول تناقض بين الحكم الجزائية القاضي بالبراءة والحكم المدني القاضي بالحكم بالتعويض فالمشرع المصري حسم هذا الجدل وتبنى رأي غالبية الشراح فقرر فيه المادة /456/ من قانون الاجراءات (ان لحكم البراءة حجة سواء بني على الانتفاء او على عدم كفاية الادلة )
اما في فرنسا فاللحمكمة الجزائية حجيته على الحكم المدني فقضت محكمة النقض الفرنسية بأن ( الحكم الجزائي بالبراءة حتى لو كان مبني على الشك فانه يجوز حجية الامر المقضي به القضاء المدني ) (3)
اما في سورية فهناك خلاف بين الفقه والقضاء ففي حين ذهب الفقه الى مذهب الاغلبية من الشراع نجدان القضاء يذهب بالاتجاه الآخر فقد حكمة محكمة النقض السورية بأن ( اذا كان الحكم الجزائي مبني على عدم كفاية الادلة او على ان الفعل لا يشكل جزماً فلا يمتنع على المحكمة المدنية البحث في الخطأ المدني الذي ينتج عنه الفعل الضار ) (4)
موقف القانون السوري
ان المشرع اخذ عبء وحدة الخطأ بين الجزائي والمدني لانه على الرغم من ورود صور الخطأ في القانون الجزائي على سبيل الحصر في م 189 -550 ق.ع.س فانها من سعة الدلالة بحيث تشمل كل خطأ متصور ممكن ان يبنى عليه مسؤولية مدنية ومن هنا جاز القول بوحدة الخطأ بين المدني والجزائي
خلاصة : هكذا نجد ان الجرائم الخطأ مردها في معظم الحالات الى استهتار الناس بالانظمة المفروضة وعدم بذلهم العناية المعتادة (2) فحرصاً من المشرع على ارواح الناس ورغبته في حماية سلامتهم وصمتهم فلا ينالها سوء ولا يصيبها اذى ولو كان هذا الضرر ناتجاً عن خطأ لا عن قصد فقد جرم مثل هذه الافعال (3) ونص على عقوبة السبعن لها للحد من طيشهم واهمالهم وعدم مبالاتهم
الركن المعنوي في المخالفات
يقتضي المنطق القانوني بالقول ان المخالفات باعتبارها جرائم لاقيام لها مالم يتوفر لها ركن معنوي في احدى صورتيه : القصد او الخطأ
فمن المخالفات ما هو عمدي يستلزم القانون لوجوده توافر القصد كمن يرمي قصداًبحجارة او نحوها من الاجسام الصلبة او بالاقذار العجلات والابنية ومساكن الغير او اسواره او الجنائن و الاحراش
( م 7 ق.ع. س)
او ايذاها م ق.ع.س
وفي معظم المخالفات لالا يشير المشرع الى القصد او الخطأ ويكتفي بذكر الفعل المجرم وعقوبته لذلك ذهب بعض الفقهاء الى القول بأن القاعدة في المخالفات هي عدم ضرورة توافر الركن المعنوي الااذا نص القانون صراحة على وجوب توافر القصد او الخطأ أي ان جرائم المخالفات هي جرائم مادية بحتة تقوم بمجرد ارتكاب الفعل المحظور دون حاجة الى تطلب قصداً او جطأ بل ان القانون يعاقب عليها بالرغم من حسن النينة فاعلها ويكفي ان يكون الفعل او الترك المعاقب عليه قد صدر عن ارادة حرة واعية .
ان عدم اشتراط توافر القصد او الخطأ في المخالفات ليس معناه ان القانون لا يعتد فيها بعنصر الخطأ فان الخطأ عموماً هو اساس المسؤولية الجزائية في التشريع الحديث ولا توجد جرائم لحض مادية يعاقب عليها المجرد وقوع الفعل المادي بغير نظرة الى ركنها المعنوي وغاية ما في الامر في شأن هذا النوع من الجرائم هو ان الخطأ فيها من نوع خاص ( 1)
متصل بالفعل المادي بحيث ان مجرد ارتكاب هذا الفعل يعتبره القانون خطأ موجباً للمسؤولية الجزائية ووجه الخطأ فيه هو ان الجاني قد قصر في معرفة حدوث ماله وما عليه ويترتب على ذلك انه لا بد فيها من توافر الارادة فاذا لم يكن الفعل الذي وقع ارادياً فانه لا يعاقب مرتكبه حسب م( 737 )ق.ع (3)
فمن يضع مصباحاً على حفرة احدتها بطريق عام فانه لا يعاقب اذا اتى لص وسرقة المصباح فترتب على ذلك سقوط احد المارة في الحفرة وتعرضه للاذى .
ولكن جانياً آخرمن الفقه ذهب الى ان المخالفات مثلها مثل الجنايات تتطلب وجود الركن المعنوي الى جانب الركن المادي فلا يجوز القول بأن قانون العقوبات السوري يعتبر المخالفات جرائم مادية بحته فالقاعدة التي قررها في شأن الركن المعنوي للجريمة العامة في المواد (187ـ 190 ) لم يخصص نطاقها بالجنايات والجنح ولم يستثن المخالفات ويقتضي ذلك ان نستخلص ارادة المشرع المتجهة الى تطلب ركن معنوي للمخالفات في احدى صورتيه وشأن المخالفات في ذلك شأن سائر الجرائم الاخرى ولا محل لوضع استثناء مع هذا الاصل العام الا اذا كان ثمة نص صريح يقرر استبعاد فئة معينة من المخالفات منه أما الأعتبار اتالتي تساق لتدعيم انصار الاتجاه القاتل بأن المخالفات جرائم مادية بحتة في اعتبارات غير حاسمة فحرص المشرع على صيانة اوضاع ضرورية لتنظيم المجتمع تقتضي على نحو معين ان يكون في الحدود التي تسمح بها المبادىء القانونية العامة فاذا كانت مصلحة المجتمع تقتضي حماية هذه المبادىء والاعتراف لهذه الاعتبارات بأهميتها والقول بأن الواجب الذي تفرضه النصوص الخاصة بالمخالفات مع كل شخص هو واجب محدود النطاق قليل المشقة وان العقاب المقرر للاخلال به ضئيل وانه يتعين التحقيق من عبء القضاء بأعضاءه من المبحث في الركن المعنوي للمخالفات وكل ذلك ليس له من القيمة القانونية ما يبرر الخروج عن المبدأ الأساسي الذي يتطلب في كل جريمة ركناً معنوياً .
اذاً فالفعل الذي يشكل مخالفة في القانون هو جريمة تعرض مرتكبها للمسؤولية الجزائية كسائر الجرائم الأخرى بصرف النظر عن درجة خطورتها أو مقدار عقوبتها فمن المتفق عليه ان خطورة الجريمة او عقوبتها مسائل علاقة لها بأن كان للجريمة او بالمسؤولية الجزائية صورته فليس في الامر صعوبة اما اذا اغفل تحديدها فالأصل تطلب القصد باعتباره الصورة العادية للركن المعنوي ولكن طبقة المخالفات واستهدافها صيانة أوضاع قدر الشارع ضرورتها التنظيم المجتمع على نحو معين تتطلب ان يوضع القصد او الخطأ على قدم المساواة في تحديد صورة الركن المعنوي لهذه المخالفات فيغير كل منهما على حد سواء كافياً لقيام المخالفة ويستحق المدعى عليه في الحالتين ذات العقوبة المقررة في القانون وعلى هذه المساواة ان الخطيئة غير واضح في المخالفات حيث من الصعب ان يعي المخالف ما ينطوي عليه فعله من الاضرار بالمجتمع معنى ذلك ان معظم المخالفات ترتكب دون قصد فمن النادر ان ترتكب المخالفة قصداً فلذلك لم يجد الشارع سبباً لتخصيص أحكام خاصة بجرائم المخالفات القصدية وتميزها عن الجرائم المخالفات غير القصدية بالاضافة الى ذلك فان ضآلة العقوبة المقررة للمخالفة تجعل التفرقة بين عقوبة المخالفة القصدية وعقوبة المخالفة غير القصدية تفرقة متجردة من الأهمية المحسوسة (2)
المراجع
1_ د. عبود السراج قانون العقوبات العام .
2_ د.محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات اللبناني العام المجلد الاول الطبعة الثالثة بيروت 1998م .
3_ د. عبد الوهاب حومد المفصل في قانون العقوبات .
4_ د. جلال ثروت نظرية الجريمة متعدية القصد بيروت 2003 .
5_ د. أديب استانبولي شرح قانون العقوبات عام الجزء الثاني .
6_ د. محمد الفاضل المبادىء العامة في التشريع الجزائي مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية دمشق عام1983
7_ د. أديب استانبولي شرح قانون العقوبات الجزء الأول الطبعة الثانية عام 1990 المكتبة القانونية .
8_ د. السعيد مصطفى السعيد الأحكام العامة في قانون العقوبات الطبعة الثانية عام 1977 دار المعارف .
9_ د. جاك يوسف الحكيم شرح قانون العقوبات القسم الخاص الجزء الثاني .
10_ د.محمد الفاضل الجرائم الواقعة مع الأشخاص إصدار وزارة الثقافة
الجامعه العربيه الامريكيه جنين - كلية الحقوق .
الدراسات العليا – ماجستير .
قسم القانون الجزائــــــــــــي .
مقرر قانون العقوبات العام .
حلقة بحث بعنوان
المحامي برهان شعبان
صور الركن المعنوي للجريمة ( الخطأ)
السنة الدراسية 2006 / 2007 تقديم الطالب: علي عبدا لله الحمادة
خطة البحث
الركن المعنوي للجرائم غير المقصودة (( الخطأ ))
أولاً : تمهيد
ثانياً : تعرف الخطأ
ثالثاً : الخطأ في قانون العقوبات السوري
رابعاً : الفرق بين الجريمة المقصودة وغير المقصودة
ـ المبحث الأول : عناصر الخطأ
أ- الإخلال بواجبات الحيطة والحذر
ب- توافر علاقة نفسية وذهنية ما بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية
1- عدم توقع النتيجة الجرمية
2- توقع النتيجة الجرمية
المبحث الثاني : صور الخطأ
1- الإهمال
2- قلة الاحتراز
3- عدم مراعاة الشرائع والأنظمة
4- الجريمة متعدية القصد صورة من صورة الخطأ
ـ مساهمة المجني عليه في الخطأ
* المبحث الثالث : أنواع الخطأ
أولاً _ الخطأ المصحوب بالتوقع والخطأ غير المصحوب بالتوقع
ثانياً _ الخطأ الجسيم والخطأ اليسير
ثالثاً _ الخطأ الفني والخطأ المادي
رابعاً _ الخطأ الجزائي و الخطأ المدني
* المبحث الرابع : الركن المعنوي في المخالفات
أولاً :تمهيد: إن الإنسان قد يرتكب فعل أو امتناع عن فعل إرادي يترتب عليه الأضرار بالغير لكن في الحقيقة إرادته اتجهت إلى السلوك دون النتيجة فهو لا يريد النتيجة لا بشكل مباشر ولا غير مباشر
لكن كان بوسعه تجنب الأضرار بالغير لأنه لم يتصرف بما تمليه قواعد الحيطة والحذر إلى تتطلبها الحياة الاجتماعية وهذا ما سميا بالخطأ الجزائي.
ثانياً : تعريف الخطأ :
ـ لم يعرف قانون العقوبات السوري الخطأ شأنه في ذالك شأن المشرعان المصري والفرنسي لكن المشروع الكويتي حاول تعريف الخطأ في المادة 44 من قانون الجزاء الكويتي فجاء في نصها ما يلي
(( يعد الخطأ غير العمدي متوافر إذا تصرف الفاعل عند ارتكاب الفعل على نحو لا يأتيه الشخص المعتاد إذا وجد في ظروفه بأن اتصف فعله بالرعونة أو التفريط أو الإهمال أو عدم الانتباه أو عدم مراعاة اللوائح )
ـ وقد عرفت محكمة النقض السورية الخطأ بأنه ( سلوك معيب لا يأتيه رجل بصير وجد في ذات الظروف
الخارجية التي أحاطت بالفاعل )
ـ وقد عرفه الدكتور محمود نجيب حسني بأنه ( هو إخلال الشخص عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر
التي يفرضها القانون سواء اتخذ صورة الإهمال أو قلة الاحتراز أوعدم مراعاة الشرائع والأنظمة وعدم حيلولته تبعاً لذلك دون أن يفضي تصرفه إلى إحداث النتيجة الجرمية سواء إن كان لم يتوقعها في حين كان ذالك أو في استطاعته ومن واجبه أم توقها ولكن حسب غير محق أنه بإمكانه اجتنابها)
ثالثاً: الخطأ في قانون العقوبات السوري :
ـ تناول المشرع السوري في القسم العام من القانون العقوبات الخطأ في المادتين 189-190 فبين في
المادة 189 الخطأ وأشكاله فجاء في نص المادة ما يلي ( يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن إهمال أو قلة الاحتراز وعدم مراعاة الشرائع والأنظمة )
وقد حاول المشرع في المادة 190 تحديد ماهية الخطأ أوطبيعته وتبيان متى نكون أمام جريمة غير مقصودة فجاء في نصها ما يلي ( تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها وسواء توقعها فحسب بأن بإمكانه اجتنابها)
وقد بين المشرع في هذه المادة انه يمكن أن يقع الخطأ في حالتين وهما :
1- حالة الخطأ من غير توقع هنا يكون الجاني لم يتوقع النتيجة وكان في استطاعته أو من واجبه توقعها فسائق السيارة الذي يقود سيارته في طريق مزدحم بالمارة من واجبه واستطاعته توقع انه قد يدهس احد المارة ولكنه لا يتوقع ذلك .
2- حالة الخطأ مع التوقع: هنا الجاني يتوقع النتيجة لكنه يعتمد على مهارته وقدرته في تجنبها
في مثالنا السابق إذا توقع السائق انه ربما يدهس احد المارة لكنه اعتمد على قدرته ومهارته في القيادة في تجنب حدوث النتيجة الجرمية لكنه يفشل
رابعاً : الفرق بين الجريمة المقصودة والجريمة الغير مقصودة
الأصل في الجرائم أن تكون قصدية والاستثناء أن تكون غير قصدية وبالتالي إذا سكت المشرع عن بيان صورة الركن المعنوي في جريمة ما فمعنا ذالك انه يتطلب فيها القصد أما إذا قدر الاكتفاء بالخطأ يجب أن يفصح عن ذالك .
والفرق الأساسي بين الجرم المقصود والجرم غير المقصود هو بأنه في الجريمة المقصودة تتجه إرادة الجاني إلى الفعل والنتيجة معاً أي انه سيطر على ماديات الجريمة بشكل كامل أما في الجريمة غير المقصودة الفاعل يتجه بإرادته نحو الفعل لكنه لا يريد النتيجة أي انه سيطرة على بعض ماديات الجريمة (1)
المبحث الأول
عناصر الخطأ
الخطأ يقوم على عنصرين هما:
1-الإخلال بواجبات الحيطة والحذر .
2- توافر علاقة نفسية وذهنية تصل ما بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية.
1 ـ الإخلال بواجبات الحيطة والحذر
قبل البحث في كيفية الإخلال بواجبات الحيطة والحذر يجب التعرف على مصادر هذه الواجبات وهي إما إن يكون مصدرها القانون ( ويأخذ القانون هنا بمفهومه الواسع فيشمل اللوائح والأوامر والتعليمات الإدارية في كل صورها ) أو أن يكون مصدرها الخبرة الإنسانية العامة حيث تقرر هذه الخبرة مجموعة من القواعد التي تحدد السلوك الصحيح وتساهم العلوم والفنون واعتبارات الملائمة في تكوين هذه الخبرة (2)
لكن ما هو الضابط أو المعيار الذي يمكن أن يحدد هل الشخص تصرف بحيطة و حذر أم لا ؟
وجد اتجاهان في الفقه:
1- الاتجاه الأول المعيار الشخصي ويراد به قياس السلوك الذي صدر عن الفاعل في ظروف معينة على أساس سلوكه المعتاد فان كان هذا السلوك اقل حيطة مما الفناه منه أعتبره مخالفا لواجبات الحيطة والحذر .
2- الاتجاه الثاني : المعيار الموضوعي ليرى أصحاب هذا الاتجاه أن دراسة كل شخص على حدا أمر صعب لذلك يجب أن نقيس السلوك الذي صدره عن الفاعل بسلوك شخصاً افتراضي وهمي نعتبره عادياً ومتوسط في سلوكه يسمى الشخص المعتاد فإذا كان الشخص المعتاد سيتصرف نفس تصرف الفاعل اعتبر غير مخل لواجبات الحيطة و الحذر أم انه سيتصرف تصرف أكثر حيطة وحذراً فيكو بالتالي مخلاً بواجبات الحيطة والحذر
ـ والمعيار الأسلم هو المعيار الموضوعي لان المعيار أو الضابط الشخصي يجعل الأغبياء والرعناء والمستهترين في مأمن من العقاب بينما الأذكياء والأشخاص الحذرين عرضة للمساءلة بسبب قدرتهم على اليقظة والحذر وبالتالي هو معيار غير عادل بينما المعيار الموضوعي يعتمد على الشخص المعتاد أو الرجل المتوسط الذي يظل مقبولا من جميع الناس وصالحا للتطبيق بجميع الحالات (1)
ـ لكن يجب عدم الأخذ بسلوك الشخص المعتاد بشكله المجرد لكن يجب تقديره في نفس الظروف التي أحاطت بالفاعل كالظروف الطبيعية والنفسية والعضوية وغيرها من الظروف التي تحيط بالفاعل أي ان نفترض أن الشخص المعتاد قد أحاطت به نفس ظروف الفاعل ونجعل ذالك قياساً لسلوك الفاعل هل كان سيتصرف نفس تصرف الفاعل وبالتالي لا مجال للقول بالإخلال بواجبات الحيطة والحذر أما انه كان سيتصرف تصرفاً أكثر حيطة وحذر وبالتالي يعتبر الفاعل مخلاً بواجبات الحيطة والحذر ويعود ذلك لتقدير القاضي
مثال : الشخص الذي يصطاد وأصاب شخصاً بعيار ناري بالخطأ فهنا عندما يقيم القاضي سلوك الفاعل يقيسه بسلوك الرجل المعتاد ويضعه بنفس الظروف التي مر بها الفاعل أي هل كان يصطاد ليلاً أم نهاراً في جو صحو أو ممطر أو كان خائفاً أم لا وغيرها من الظروف
2ــ توافر علاقة نفسية وذهنية تصل ما بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية
القانون لا يعاقب على مجرد الإخلال في واجبات الحيطة والحذر إلا إذا كان هذا الإخلال جريمة بحد ذاتها
مثال : قيادة السيارة بسرعة زائدة عن الحد المسموح به قانونا حتى ولو لم تؤدي إلى دهس احد المارة مثلا فإنها تستوجب المخالفة .
لكن بشكل عام القانون لا يعاقب على مجرد الإخلال بواجبات الحيطة والحذر إلا إذا أدت إلى نتيجة جرمية أي وجود صلة بين الإرادة والنتيجة ( فالمسؤولية الجزائية لا تترتب إلا إذا كان الفعل إراديا وارتكب الفاعل الجريمة بصورة مقصودة أو بخطأ غير مقصود ) (2)
وللعلاقة النفسية والذهنية بين الإرادة والنتيجة صورتان:
• الصورة الأولى : لا يتوقع المجرم فيها حدوث النتيجة فلا يبذل جهداً لتجنبها في حين كان باستطاعته ومن واجبه توقعها
• الصورة الثانية : صورة يتوقع فيها المجرم النتيجة لكن لا يريدها ويعتمد على مهاراته وقدراته في تجنبها لكنه يفشل وأيضاً قد يتوقع النتيجة لكن لا يكترث بها فلا يتخذ الإحتياطات لتجنب حدوثها
مثال : فسائق السيارة الذي يقود سيارته بسرعة بطريق مزدحم بالمارة قد لا يتوقع أن يدهس احد المارة مع
إن من واجبه وباستطاعته وتوقعها وبالتالي لا يتخذ الإحتياطات الكافية لتفادي النتيجة وبالتالي تتحقق الصورة الأولى .
أو انه يتوقع النتيجة لكن يعتمد على مهارته في القيادة لتفادي إصابة احد المارة لكنه يفشل أو انه يتوقع إصابة احد المارة لكنه لا يكترث لذالك وهنا تتحقق الصورة الثانية .
* الصورة الأولى : عدم توقع النتيجة الجرمية:
للوهلة الأولى يتبادل للذهن أن ما دام الفاعل لم يتوقع النتيجة الجرمية بالتالي ليس هناك صلة بينها وبين إرادته لكن في الحقيقة هذه الصلة قائمة وموجودة مادامت العناصر التالية موجودة :
1ـ إن كان في استطاعته توقع النتيجة وكان من واجبه توقعها
2ـ إن كان في استطاعته أن يحول دون حدوثها وكان من واجبه الحيلولة دون وقوعها
وبالتالي إذا لم يكن بإستطاعة الفاعل توقع النتيجة ولم يكن في استطاعة الحيلولة دون حدوثها لا تقوم الصلة النفسية بين الإرادة والنتيجة الجرمية لأنه لا يمكن أن يكلف شخص بتوقع ما ليس متوقعاً أو بالحيلولة دون حدوث نتيجة لا يمكن ذرئها .
وتعد النتيجة متوقعة إذا كان حدوثها يدخل في نطاق السير العادي للأمور أما إذا تدخلت عوامل شاذة لا تتفق مع المألوف فهي غير متوقعة .
والمثال الأبرز الذي طرحه الفقه هو ( الممرضة إذا أخلت بواجبها فأعطت المريض دواءه مرتين بدلاً من مرة واحدة كما تقضي بذلك تعليمات الطبيب ولكن شخصاً ما وضع سماً في قارورة الدواء في الفترة التي مضت بين المرتين فترتب على تناول المريض الجرعة الثانية موته فإن خطأ الممرضة لا يعد منصرفاً الى النتيجة فعلى الرغم من إخلال الممرضة بواجبات الحيطة والحذر المفروضة عليها فلم يكن بوسعها توقع وفاة المريض لأنها حدثت بسبب عوامل شاذة فلا تقوم المسؤولية الجزائية لانتفاء الركن المعنوي لجريمة القتل الخطأ لكن ينسب إلى خطأها نتيجة أخرى كان في وسعها توقعها هي الضرر الصحي التي تترتب على تناول المريض جرعة مضاعفة من الدواء.
* الصورة الثانية : توقع النتيجة الجرمية :
هنا الجاني توقع النتيجة الجرمية لكنه لم يتجه بإرادته إليها وهنا تتشابه هذه الصورة مع القصد الإحتمالي ووجه التشابه بين هذه الصورة و القصد الإحتمالي في توقع النتيجة الجرمية كأثر ممكن للفعل ولكن الاختلاف في عدم اتجاه الإرادة إلى هذه النتيجة الجرمية في هذه الصورة من الخطأ بينما في القصد الإحتمالي يتوقع المجرم النتيجة كأثر ممكن لفعله أو عدم فعله ثم قبلها واعتبارها غرضاً ثانياً لفعله .
مثال : فالرامي بالسيرك الذي يرمي الخنجر مثلاً باتجاه شيء يضعه شخص فوق رأسه يتوقع أن يصيب هذا الشخص لكن يعتمد على مهارته في الرمي لتفادي إصابة هذا الشخص فان أصابه فهو لا يريد النتيجة الجرمية وبالتالي تتوافر الصلة النفسية والذهنية بين إرادة المجرم والنتيجة الجرمية وبالتالي تقوم المسؤولية الجزائية على أساس الخطأ أما إذا شعر الرامي مثلاً انه ليس بحالته الطبيعية وتوقع أن يصيب الشخص الذي أمامه ورحب بذلك فان في هذه الحالة الأخيرة نكون أمام القصد الإحتمالي وبتالي تقوم المسؤولية الجزائية على أساس القصد الجرمي .
ـ الخطأ مع التوقع ينقسم إلى قسمين :
* الخطأ مع توقع النتيجة الجرمية و الاعتماد على القدرات والمهارات من اجل تفاديها لكن لا يحول ذلك دون وقوع النتيجة الجرمية
* الخطأ مع توقع النتيجة وعدم الاكتراث بها أي عدم اتخاذ الإحتياطات الكافية لتفاديها .
ـ ويجب الإشارة إلى أهمية العلاقة النفسية بين الإرادة والنتيجة الجرمية من الناحية القانونية فهي يمكن أن تؤدي إلى عدم قيام المسؤولية الجزائية لانتفاء الركن المعنوي في حال عدم وجود صلة بين الإرادة والنتيجة.
وكذلك تؤدي إلى التميز بين القصد والخطأ فإذا لم يتوقع المجرم النتيجة ولم يكن باستطاعته ومن واجبه توقعها ولم يكن باستطاعته أن يحول دون وقوعها فلا محل للخطأ في الحالتين اما اذا توقع المجرم النتيجة فاتجهت اليها ارادته يتوافر القصد . (1)
المبحث الثاني
صور الخطأ
بين المشرع السوري صور الخطأ وعددها وهي الاهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة الشرائع والانظمة وذالك من خلال نص المادة 189 من قانون العقوبات السوري وقد كرر المشرع هذه الصور في العديد من نصوص قانون العقوبات القسم الخاص وقانون العقوبات الاقتصادية .
ومنها المادة 550 من قانون العقوبات التي جاء في نصها ما يلي ( من سبب موت احد عن اهمال او قلة احتراز او عدم مراعاة القوانين والانظمة عوقبة بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات )
ـ وبالتالي نص المشرع السوري على ثلاث حالات للخطأ بينما نص المشرع الفرنسي والمشرع المغربي على خمس حالات والمشرع المصري على اربع حالات .
ـ وتجدر الاشارة ان تعداد صور الخطأ لا يعني وجوب اجتماعها بل يكتفي بصورة واحدة حتى تقوم المسؤولية الجزائية وهذا ماذهبت اليه محكمة النقض السورية بقولها ( تتعدد صور الخطأ في المادة 550 لا يؤدي الى وجوب اجتماعها بل يكفي وجود واحد منها كمخالفة القوانين المرعية ) (1)
ويبدو ان المشرع قد عدد صور الخطأ على سبيل الحصر لا سبيل المثال وهذا ما ذهبت اليه محكمة النقض من خلال حكمها التالي ( ان الخطأ لا يتساوى مع كل عمل غير مقصود بل لا بد ان يكون الخطأ ناشئاً من احد الاسباب الثلاثة وهي الاهمال وقلة الاحتزاز وعدم مراعاة الانظمة .... فمن خرج من محفل او نادي واخذ رداء الغير ظناً انه رداءه فلاينسب اليه جرم السرقة ) (2)
والاسباب التي دفعت محكمة النقض الى اعتبار حالات الخطأ الواردة في المادة 189 وغيرها من المواد حصرية .
1ـ احترام مبدأ الشرعية أي يجب ان تكون العقوبات والجرائم قانونية وبالتالي أي جريمة سواء كانت مقصودة او غير مقصودة لا يعاقب عليها الا اذا نص القانون صراحة على تحديد اركانها وشروطها
2ـ ان حالات الخطأ التي ذكرت في قانون العقوبات تعتبر شاملة لكل حالة من حالات الخطأ التي يمكن ان تقع .
ـ ويذهب جانب من الفقه ( ومنهم د. محمود نجيب حسني ) الى ان التعداد الوارد في قانون العقوبات لحالات الخطأ هو تعداد على سبيل المثال لا لحصر وبالتالي كل حالة تتوافر فيها عناصر الخطأ لكنها لا تدخل ضمن الصور التي عددها القانون فان المنطق يفرض اعتبار المسؤولية الجزائية تقوم من خلالها .
وفيما يلي تبيان للصور التي حددها المشرع :
1ـ الاهمال : او الخطأ عن طريق الامتناع أي حالة الفاعل الذي يرتكب الخطأ بوقوفه موقفاً سلبياً أي دون ان يقوم بما تستلزمه قواعد الحيطة والحذر .
مثال : حائز الحيوان الخطر الذي يهمل في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحبسه عن الناس فينفلت ويأذي احد الناس .
ـ وقد عرفت محكمة النقض السورية الاهمال بقولها ( هو الامتناع عن عمل وجب فعله ) (1)
ـ ويدخل في مفهوم الاهمال عدم الانتباه وهو يشمل الخطة التي لا تعزر كمن يعرف حالة مجنون اوكلت اليه حراسته فيهمل حراسته ويدعه طليقا فيعتدي على احد الناس (2)
2ـ قلة الاحتراز : او عدم الاحتياط وهو خطأ ينطوي عليه نشاط ايجابي يقوم به الجاني ( وقلة الاحتراز هي قلة التبصر وعدم تقدير النتائج تقديراً كافياً ) (3)
فالمرأة التي تنام الى جانب رضيعها وتنقلب عليه ليلاً فيختنق تعتبر مسؤولة عن قلة احترازها وتعاقب كقاتلة خطأ .
وتعرف محكمة النقض السوري الاحتراز بأنها ( هي عدم التبصير في العواقب رغم كون الفاعل يدرك طبيعة عمله وما يمكن ان يترتب عليه من خطر وضرر بالغير ولكنه لا يبالي لذلك . (1)
مثال: فمن يلقي من سطحه جسماً ثقيلاً على الطريق دون ان ينتبه الى مرور احد الاشخاص فقتله فهو مسؤول عن خطئه .
ـ وتدخل الرعونة في مفهوم قلة الاحتراز و الرعونة خطأ اهل الفن وبصورة خاصة الاطباء والمهندسين والصيادلة اذا تسببو في قتل احد او اصابته بجراح او عاهة لجهلهم امورا لا يجوز لهم من الناحية الفنية ان يجهلوها او يعملوها. (1)
مثال : اذا استعمل الطبيب الات غير طبية او غير معقمة وادى ذلك الى موت المريض فانه مسؤول عن جريمة غير مقصودة .
ويجب الاشارة انه حتى يعاقب الفاعل في صورتين السابقتين يجب ان يتم الجرم بالفعل أي يجب ان تكون هناك نتيجة جرمية فالطبيب في المثال السابق اذا لم يؤدي خطأه الى موت المريض اوحتى ايذاءه لا تقوم المسؤولية الجزائية للطبيب .
3ـ عدم مراعاة الشرائع والانظمة :
ان الخطأ يقوم في هذه الصورة في حال خالف سلوك الجاني القواعد الى تقررها الشرائع والانظمة وبالتالي تقوم المسؤولية الجزائية دون الحاجة الى ارتكاب أي نوع آخر من انواع الخطأ ودون الحاجة الى وقوع ضرر بأحد .
والمقصود بالشرائع والانظمة والقوانين والنصوص التشريعية اما تصدر عن السلطة التشريعية ( مجلس الشعب) ورئيس الجمهورية في حالات استثنائية وتشمل كذالك المراسيم التنظيمية ذات الصفة القانونية والقواعد التي تقدر عن الجبهات الادارية كالوزارات والبلديات بهدف الحفاظ على الامن وصيانة الانظمة العامة كأنظمة المرور والنقل والصحة والبناء .....الخ . (3)
وكذالك تشمل قوانين تنظيم الصناعات والمهن المختلفة كقانون مزاولة مهنة الطب والمحاماه وقانون السير وغيرها .
كما تشمل أيضاً المواد الواردة في الباب الخاص بالمخالفات في قانون العقوبات كالمخالفات المتعلقة بالطرق والمحلات العامة ... وغيرها .
ومثالها المادة 738 قانون العقوبات السوري التي نصت على ما يلي ( 1_ يستحق العقوبة المذكورة في المادة السابقة (1) من أقدم في الأماكن المأهولة
أ_ على أركاض حيوانات الجر والحمل والركوب وغيرها من الماشية او على اطلاقها
ب_ على إطلاق عيارات نارية بدون داع أو مواد متفجرة
ج_ على إطلاق أسهم نارية بصورة يحتمل معها وقوع خطر على الأشخاص أو الأشياء .
2ـ تصادر الأسلحة والأسهم المضبوطة .
3ـ ويمكن في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية إنزال عقوبة الحبس التكديري .
وقد تؤدي مخالفة القوانين والأنظمة الى جرمين في نفس الوقت فالشخص الذي يطلق عيارات نارية في العرس احتفالاً ويصيب احد الأشخاص مما أدى إلى وفاة هذا الشخص فهنا عدم مراعاة الشرائع والأنظمة إلى جرمين
الأول: جرم المخالفة المنصوص عليه في المادة 738
الثاني: جرم القتل الخطأ المنصوص عليه في المادة 550
ويبدو إن هذه الصورة من صور الخطأ سهلة الإثبات إذ يكفي الإشارة إلى النص الذي خالف الفاعل بسلوكه أحكام لان القاعدة العامة تقول بأنه لا جعل في القوانين .
4ـ الجريمة متعدية القصد صورة من صور الخطأ
ان الجريمة متعدية القصد تعتبر صورة مستقلة قائمة بذاتها في نظرية الخطأ الجنائي فالجريمة المتعدية القصد تتميز بركن الخطأ فيها فهذا الركن المعنوي المبني على تجاوز النتيجة للقصد يفترض بالضرورة تعدد الاحداث في الجريمة المتعدية القصد فالقصد يذهب الى الحدث البسيط ( الحدث المقصود ) ولا ينصرف الى الحدث الجسيم ( الحدث المتعدي ) (1)
وابرز مثال للجريمة متعدية القصد هو الضرب المفضي الى الموت فالقصد هنا متجه الى الايذاء لكن النتيجة تتعدى ذالك الى الموت .
ويرى بعض الفقهاء ان الجريمة المتعدية القصد تنتمي الى القصد الاحتمالي وهذا رأي غير سليم لان القصد الاحتمالي لايفترض فيه التوقع افتراضاً بل يجب ان يتوقع الجاني فعلاً وقوع الحدث الاشد جسامة ويستوي عنده ان تحصل او لا .
والقصد المتعدي صورة من صور الخطأ الجزائي لان الارادة اتجهت الى الحدث البسيط ولم تتجه الى الحدث المتعدي الجسيم فالجاني خلال ارتكابه الجريمة المقصودة اخل بواجبات الحيطة ةالحذر ولم يتخذ الاحتياطات اكافية لكي لا يتجاوز النتيجة الجرمية المقصودة الى اخرى اكثر جسامة مع عدم توقعه للحدث الجسيم مع ان كان من واجبه وباستطاعته توقعه وعدم حيلولته دون وقع النتيجة مع امكانية ذالك او انه توقعها فحسب مخطئاً ان بأمكانه تجنبها . (2)
*: مساهمة المجني عليه في الخطأ :
ـ لا يضع القانون قاعدة تقضي بأن خطأ المجني عليه او خطأ شخص ثالث ساهم في احداث النتيجة الجرمية ينفي المسؤولية عن الفاعل طالما ان الخطأ المجني عليه او الشخص الثالث لم ينفي العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة اذا لا مقاصة بين الاخطاء في التشريع الجزائي (2)
مثال : فالشخص الذي يقطع الشارع من غير الاماكن المخصصة بصورة المشاة يكون مخطىء لكن هذا لا يعني انتفاء المسؤولية عن سائق السيارة الذي يدهسه فتبقى مسؤولية السائق كاملة وان كان خطأ المجني عليه يخفض في التعويض والعقوبة وذالك بحسب نسبته وذاك راجع للسلطة التقديرية للقاضي .
المبحث الثالث
انواع الخطأ
ان المسؤولية الجزائية التي تتولد عن الخطأ تختلف تبعاً لنوع ذالك الخطأ واهم انواع الخطأ المعروفة في الفقه والقانون هي :
الخطأ المصحوب بالتوقع والخطأ غير المصحوب بالتوقع
الخطأ الجسيم والخطأ اليسير
الخطأ الفني والخطأ المادي
الخطأ الجزائي والخطأ المدني
اولاًـ الخطأ المصحوب بالتوقع والخطأ غير المصحوب بالتوقع :
* الخطأ المصحوب بالتوقع ( الخطأ الشعوري ) :
يتمثل هذا الخطأ بتوقع الفاعل للنتيجة الجرمية التي من الممكن ان تتولد عن فعله وهو غير راغب بها ولكنه يظن ويعتقد انه بامكانه تجاوزها واجتنابها بما يملكه من مهارة
فسائق السيارة الذي يتجاوز سيارة اخرى رغم سيارة ثالثة في الاتجاه المقابل ظاناً انه يمكنه تلافي صدمها بسبب سرعته ومهارته فيخطأ الظن ويصدمها فعلاً فالسائق هنا انما يرتكب خطأً شعورياً لتوقعه النتيجة ومع ذالك خرج عن قواعد الحيطة ظاناً امكانية تلافي الضرر بمهارته .
وهنا لابد من التفريق بين الخطأ الشعوري المصحوب بالتوقع والقصد الاحتمالي :الخطأ الشعوري المصحوب بالتوقع الفاعل توقع النتيجة لكنه لا يرضى بالنتيجة الجرمية ولو علمة بأنه سيعجز عن تلافيها وتداركها لما اقدم على فعله .
اما القصد الاحتمالي فالفاعل يتوقع النتيجة ولكن مع ذالك يقبل بالخاطرة ضارباً عرض الحاط بما ينتج عن فعله فهذا الشخص ينم عن خطورة اجرامية وبذلك اعتبره المشرع بمثابة قصد اجرامي تام .
فسائق سيارة الشاحنة اذا اقدم على تجاوز سيارة امامه على منعطف غير مرئي وتوقع امكانية قدوم سيارة اخرى في الاتجاه المعاكس فقبل بحدوث النتيجة معتمداً على صلابة سيارته وضخامته وعدم احتمال اصابته شخصياً بضرر وان ادى الامر الى اصابة السيارة المحتمل ظهورها امامه فان وقوع الحادث فعلاً ووفاة ركاب السيارة القادمة امام سلق الشاحنة يجعله مرتكباً قتلاً مقصوداً لتوقعه مسبقاً وقوع الحادث وقبوله بوفاة غيره نتيجة خطأه .
• الخطأ غير المصحوب بالتوقع ( الخطأ اللاشعوري ) :
يتمثل هذا الخطأ في عدم توقع الفاعل النتيجة الجرمية التي احدثها فعله او عدم فعله المخطئين في حين انه كان من واجبه ان يتوقعها وبستطاعته ان يتوقها فيما لو بذل العناية الكافية لدى الشخص المعتاد .
فسهو الفاعل عالتوقع تبعة فعله هو الذي يشكل سبباً لمعاقبته ومسائلته اما لو تعزر عليه توقعها لاسباب خارجة عن ارادته فلا يعتبر مسؤولاً عن الضرر الواقع كأن يتسبب سائق سيارة بحادث وقد اغمي عليه او تحت تأثير مخدر دس له دون علمه فهنا يجب تقدير نية الفاعل وعدم توقعه لنتيجة فعله وقت وقع الفعل لا وقت حدوث النتيجة فقسائق السيارة الذي يغلب عليه النعاس ويستمر في قيادة سيارته ويدهس شخصاً فهنا كان عليه ان يتوقع النتيجة لدى الشعور بالنعاس وان كان يتعذر عليه ذلك عند وقوع الحادث .
ثانياً : الخطأ اليسير والخطأ الجسيم :
• الخطأ اليسير : هو الخطأ قليل الاهمية الذي يبقى في حدود المألوف
• الخطأ الجسيم : هو الخطأ الذي يؤدي الى ضرر كبير ويتجاوز المألوف ويتجاوز ما يمكن ان يرتكبه الشخص المعتاد .
وأضفى القائلون في هذه التفرقة اهمية بالغة عليها في القانون الجنائي فقالو بأن هذا القانون لا يعترف الا بالخطأ الجسيم اما الخطأ اليسير فلا تقوم به سوى مسؤولية مدنية ولكن هذا القول ثبت فساده اذ رجح مبدأ وحدة الخطأين الجزائي والمدني .
ان اثارة ما اذا كان الخطأ جسيماً او يسيراً لا تثار الا في معرض الاخطاء التي يرتكبها اهل الفن والصنعة كما سنرى .
اهم ما يعيب هذه التفرقة بينما هو جسيم وما هو يسير من الخطأ هو افتقارها الى معيار تقوم عليه بل ان وجودها يهدمه ان للخطأ في القانون الجزائي معيار واحد هو الشخص المعتاد مما يجعل الرجوع الى معيار آخر هو ( الشخص شديد الحرص ) واقامة التفرقة بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير مع اساس منه قولاً غير متفق مع الفكرة الاساسية للخطأ (1)
ثالثا ً الخطأ الفني والخطأ المادي :
* الخطأ الفني : هو الخطأ الذي يرتكبه اهل الفن والصنعة في معرض ممارساتهم لصنعتهم وحرفتهم .
اذاً ما يصدر عن رجال الفن من اخطاء تتعلق بأعمال مهنتهم يعبر عنها بالخطأ الفني.
* الخطأ المادي ( العادي ) هو الخطأ الذي يرتكبه احد العوام بمخالفته لواجبات الحيطة والحذر .
يمتاز الخطأ الفني بأنه لا يقع الا من اصحاب الفن والحرفة في معرض ممارساتهم لحرفهم وقوامه مخالفة الاصول الفنية والعلمية لمهنهم او الجهل بالقواعد الفنية او تطبيقها تطبيقاً غير صحيح او سو التقدير فيما تخوله من مجال تقديره .
اما الخطأ المادي (العادي) فهو يرتكب من أي شخص عادي و يمكن ان يرتكب من اصحاب الفن و الصنعة سواء في نطاق مهنتهم باعتبارهم ملتزمون بهذه الواجبات العامة قبل ان يلتزمو بالقواعد العلمية او الفنية
او في نطاق حياتهم العادية المستقلة عن مهنهم فالطبيب الذي يرتكب حادث سير بسيارته فما هو الخطأ الذي يرتكبته ؟
الخطأ هنا هو خطأ عادي صحيح ان مرتكبه طبيب ولكنه لم يرتكب هذا الخطأ في معرض ممارسته لمهنة الطب لكنه ارتكبه في معرض ممارسته لحياته العادية القائلون بهذه التفرقة علقوا عليها اهمية كبيرة حيث ذهبوا الى القول بأن المسؤولية عن الخطأ الفني بحجة ان ما يمتلكه رجال الفن والصنعة من علم كفيل بأن يجعلهم محلاً للثقة في ان يباشرو مهنتهم على النحو الصحيح ثم ان في رقابة الرأي العام ما يغني عن رقابة القانون وفي النهاية ان التقدم العلمي لا يحتاج الا اذا امن رجال الفن والصنعة من المسؤولية عما يصدر عنه من اخطاء فنية اذ أن التهديد الدائم بها يثنيه عن التجديد والابتكار (2)
وبالتالي ونعد هذا الاتجاه أن المسؤولية عن الخطأ الفني الا اذا كان جسيماً اما الخطأ المادي فتخضع المسؤولية عنه للقواعد العامة والحجة في ذلك تكمن في الصعوبة التي يصادفها القاضي اذا اقحم نفسه في مناقشات فنية بعيدة عن ميدان تخصصه مما يقتضي اختصار رقابته على الحالات الواضحة للخطأ الفني واجتناب البحث في الاخطاء اليسيرة بالاضافة الى التقدم العلمي يتطلب قدراً من حرية البحث والتجربة وهو ما لا يتوافر اذا كان رجل الفن مسؤولاً عن كل اخطاء ه ولكن الذي ينال من هذه الحجج ان التفرقة بين الخطأ المهني الجسيم ونظيره اليسير عسيرة التطبيق فليس ثمة ضابط واضح يعتمد عليه مما يخشى معه ان ينتهي بها الامر الى حكم لا تضبطه قوانين اضف الى ذلك ان واجب حماية المجتمع وافراده من اهل الفن الخاطئين يستبع مساءلتهم عن اخطائهم المهنية حتى لا يعبثوا بسلامة المجتمع واهله ولا يتخذوا من تخصصهم ستاراً يخفون وراءه جهلهم او تهاونهم وبالتالي ان هذه التفرقة لا محل لها (4) ويتعين ان تطبيق على الاخطاء الصادرة عن رجال الفن في معرض
مباشرتهم اعمال مهنتهم القواعد العامة التي تحدد عناصر الخطأ غير العمدي فليس هناك ما يعتقد عمل القاضي او يهدد التقدم العلمي فثمة قواعد مستقرة في كل علم وفن وثمة مجال تقديري تعترف به هذه القواعد او تقرره الاصول العلمية العامة فالخطأ المتعلق بتطبيق القواعد المستقرة تنشأ عنه المسؤولية سواء كان يسيراً ام جسيماً ولا صعوبة تواجه القاضي حين يكشف هذه القواعد اذا هي معروفة وواضحة وفي استطاعته الخبير ان يبزها للقاضي وليس من شأن هذه المسؤولية ان تهدد التقدم العلمي اذ هذه القواعد واضحة ومسلم بها .
ام المجال التقديري الذي تقرره القواعد والاصول العلمية فلا شأن للقضاء به اذ يعترف العلم بما يدور فيه من خلاف ويفترض قدراً من الصحة في الآراء المختلفة ومن ثم لا يتوافر الخطأ اذا اخذ رجل الفني او الصنعة برأي محل خلاف او برأي المرجوح طالما له سنده العلمي القوي .
رابعاً: الخطا الجزائي و الخطأ المدني :
الخطأ الجزائي : هو خطأ ينتج عنه نتيجة ضارة فيعاقب القانون مرتكبه بعقوبة جزائية ويلزمه بالتعويض
الخطأ المدني : هو الخطأ ينتج عنه ضرر يلتزم من يرتكبه بالتعويض اذاً فكلا الخطأين ينتج عن اخلال الفاعل بواجب الحيطة والحذر والمسؤوليتان الجزائية والمدنية تؤديان وظيفة واحدة وهي على كل سلوك خاطىء يسبب ضرر او اذى للفرد او المجتمع ولكنهما في الواقع من حيث ان الافعال التي تكون المسؤولية الجزائية محددة بنص القانون استناداً لمبدأ الشرعية اما الافعال المكونة للمسؤولية المدنية فيها غير محددة ولا يمكن حصرها المهم ان يتولد عنها ضرر.
اضف الى ذلك ان الخطأ الجزائي تقام من اجله دعوى امام المحاكم الجزائية ( الدعوى العامة ) كما يمكن ان تقام من اجله دعوى مدنية ( دعوة الحق الشخصي ) وهما لا يقامان الا امام المحاكم الجزائية .
اما الخطأ المدني فتقام من اجله دعوى مدنية فقط اما القضاء المدني (1)
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الان :
هل يشترط القانون الجزائي في الخطأ ان يكون على درجة معينة في الجسامة ام شأنه في ذلك شأن القانون المدني الذي يقرر ان ( كل خطأ سبب ضرر للغير يلتزم من ارتكبه بالتعويض) .؟(2)
في الواقع للاجابة على هذا السؤال ظهر في الفقه اتجاهين
ـ الاتجاه الاول : لتقرير المسؤولية الجزائية يجب ان يكون الخطأ على درجة معينة من الجسامة أي وفق هذا الرأي الخطأ الجزائي يجب ان يكون جسيماً اكثر من الخطأ المدني فالخطأ اليسير لا يصلح لقيام المسؤولية الجزائية (3)
اما الخطأ المدني فكل خطأ مهما كان يسيراً كاف لتقوم به المسؤولية المدنية فالأخطاء على اختلاف درجاتها متعادلة في القانون المدني ويحتج انصار هذا الرأي في الاختلاف في الوظيفة الاجتماعية التي تؤديها كل من المسؤولية الجزائية والمسؤولية المدنية .
فالمسؤولية الجزائية تهدف الى الردع ولا حاجة الى الردع الا حيث تكون شخصية الفاعل خطرة وهذه الخطورة لا يكشف عنها سوى الخطأ الجسيم .
اما المسؤولية المدنية فهي تهدف الى اعادة التوازن بين ذمتين ماليتين عن طريق الزام شخص ما بأن يعوض ما نقص من ذمة الآخر من جراء فعله الضار .
فالمشكلة القائمة هي الموازنة بين ذمتين وتحديد ايهما تتحمل عبء الضرر وغني من البيان ان الخطأ ولو كان يسيراً يكفي لترجيح احدهما على الآخرى وبالتالي فأن الموازنة والتميز بين نوعي الخطأ المدني والجزائي هو في مصلحة العدالة (4)
اذاً هذا الرأي يقرر مبدأ ازدواج الخطأ في القانونين .
ـ اما الاتجاه الثاني يقول : ان أي خطأ يولد المسؤولية المدنية يولد في نفس الوقت المسؤولية الجزائية وذلك يعني ان الخطأ اليسير تقوم به المسؤولية الجزائية إسوة بالمسؤولية المدنية
ـ أنكر أنصار هذا الرأي اختلاف الوظيفة المدنية عن وظيفة المسؤولية الجزائية أدى انتشار للآلات الى جسامة الأضرار التي تترتب عليها فلم يعيد التعويض جزاءً كافياً لحماية الفرد والمجتمع اتجاه هذه الأضرار ولو كان الخطأ يسيراً ان انتشار التأمين لم يعد يشعر الفاعل بعبأ التعويض فإذا لم يوقع عقاب انتقى كل جزء عن السلوك الخاطىء الذي افضى إلى هذه الأضرار ( 1 )
وعلاوة على ذلك فان القول بزدواج الخطأ ينطوي على تناقض بين حيث ان النظام القانوني العام للدولة تجمع بين اجزائه وحدة الغاية الاجتماعية والمبادىء الأساسية فكيف يقبل المنطق السليم وطبقاً لنظام قانوني واحد ان يكون فعلاً مشوباً بالخطأ بالنسبة الى قانون وغير مشوباً بالخطأ بالنسبة الى قانوناً آخر في نفس الوقت
ان أهمية العملية للقول بوحدة الخطأ الجزائي والمدني وازدواجهما هو تحيدها للحكم الجزائي من حجة بالنسبة للدعوى المدنية فاذا قلنا بوحدة الخطأ مهما كان ضئيلاً تكفي لتحقيق المسؤولية ومتى كان الامر كذلك فان براءة المتهم في الدعوى الجزائية لعدم ثبوت الخطأ الذي رفعت به الدعوى العامة تستلزم حتماً رفض الدعوى المدنية المؤسسة على هذا الخطأ المدى به ويكون لحكم البراءة قوة الشيىء المحكوم به اذا رفع النزال بعد ذلك امام المحكمة المدنية .
ان هذا الرأي اعدل واكثر انسجاماً مع النظريات القانونية الحديثة في الخطأ وعلى هذا اذا اعلنت المحكمة الجزائية أن المتهم لم يكن مهملاً وقليل الاحتراز تعذر أمام القضاء المدني القول بوجود الخطأ فعناصر الخطأ هي واحدة فاذا انتفت فيكون انتفاؤها على الصعيدين المدني والجزائي .
كل ذالك بشرط أن يكون القانون الجزائي مشاملاً لصورة الخطأ (2)
أما اذا كان القانون الجزائي يعاقب على صورة معينة من الخطأ دون سواها فالحكم الصادر بالبراءة لايمنع القاضي المدني من نسبة الخطأ الى المتهم على أساس مغاير للصورة المعنية .
أما اذا صدرت البراءة بعدم كفاية الاداة فحسب القواعد العامة ان المحكمة الوطنية تستطيع ان تنظر بالدعوى المدنية وتقرر ما تشاء من التعويض لان قرار البراءة لم يستند على عدم وقوع الفعل او عدم الاشتراك المتهم فيه أما استند الى قاعدة الشك في مصلحة المتهم الا أن جانباً كبيراً من الفقه والاجتهاد رأى الخروج من القواعد كعامة منعاً لحصول تناقض بين الحكم الجزائية القاضي بالبراءة والحكم المدني القاضي بالحكم بالتعويض فالمشرع المصري حسم هذا الجدل وتبنى رأي غالبية الشراح فقرر فيه المادة /456/ من قانون الاجراءات (ان لحكم البراءة حجة سواء بني على الانتفاء او على عدم كفاية الادلة )
اما في فرنسا فاللحمكمة الجزائية حجيته على الحكم المدني فقضت محكمة النقض الفرنسية بأن ( الحكم الجزائي بالبراءة حتى لو كان مبني على الشك فانه يجوز حجية الامر المقضي به القضاء المدني ) (3)
اما في سورية فهناك خلاف بين الفقه والقضاء ففي حين ذهب الفقه الى مذهب الاغلبية من الشراع نجدان القضاء يذهب بالاتجاه الآخر فقد حكمة محكمة النقض السورية بأن ( اذا كان الحكم الجزائي مبني على عدم كفاية الادلة او على ان الفعل لا يشكل جزماً فلا يمتنع على المحكمة المدنية البحث في الخطأ المدني الذي ينتج عنه الفعل الضار ) (4)
موقف القانون السوري
ان المشرع اخذ عبء وحدة الخطأ بين الجزائي والمدني لانه على الرغم من ورود صور الخطأ في القانون الجزائي على سبيل الحصر في م 189 -550 ق.ع.س فانها من سعة الدلالة بحيث تشمل كل خطأ متصور ممكن ان يبنى عليه مسؤولية مدنية ومن هنا جاز القول بوحدة الخطأ بين المدني والجزائي
خلاصة : هكذا نجد ان الجرائم الخطأ مردها في معظم الحالات الى استهتار الناس بالانظمة المفروضة وعدم بذلهم العناية المعتادة (2) فحرصاً من المشرع على ارواح الناس ورغبته في حماية سلامتهم وصمتهم فلا ينالها سوء ولا يصيبها اذى ولو كان هذا الضرر ناتجاً عن خطأ لا عن قصد فقد جرم مثل هذه الافعال (3) ونص على عقوبة السبعن لها للحد من طيشهم واهمالهم وعدم مبالاتهم
الركن المعنوي في المخالفات
يقتضي المنطق القانوني بالقول ان المخالفات باعتبارها جرائم لاقيام لها مالم يتوفر لها ركن معنوي في احدى صورتيه : القصد او الخطأ
فمن المخالفات ما هو عمدي يستلزم القانون لوجوده توافر القصد كمن يرمي قصداًبحجارة او نحوها من الاجسام الصلبة او بالاقذار العجلات والابنية ومساكن الغير او اسواره او الجنائن و الاحراش
( م 7 ق.ع. س)
او ايذاها م ق.ع.س
وفي معظم المخالفات لالا يشير المشرع الى القصد او الخطأ ويكتفي بذكر الفعل المجرم وعقوبته لذلك ذهب بعض الفقهاء الى القول بأن القاعدة في المخالفات هي عدم ضرورة توافر الركن المعنوي الااذا نص القانون صراحة على وجوب توافر القصد او الخطأ أي ان جرائم المخالفات هي جرائم مادية بحتة تقوم بمجرد ارتكاب الفعل المحظور دون حاجة الى تطلب قصداً او جطأ بل ان القانون يعاقب عليها بالرغم من حسن النينة فاعلها ويكفي ان يكون الفعل او الترك المعاقب عليه قد صدر عن ارادة حرة واعية .
ان عدم اشتراط توافر القصد او الخطأ في المخالفات ليس معناه ان القانون لا يعتد فيها بعنصر الخطأ فان الخطأ عموماً هو اساس المسؤولية الجزائية في التشريع الحديث ولا توجد جرائم لحض مادية يعاقب عليها المجرد وقوع الفعل المادي بغير نظرة الى ركنها المعنوي وغاية ما في الامر في شأن هذا النوع من الجرائم هو ان الخطأ فيها من نوع خاص ( 1)
متصل بالفعل المادي بحيث ان مجرد ارتكاب هذا الفعل يعتبره القانون خطأ موجباً للمسؤولية الجزائية ووجه الخطأ فيه هو ان الجاني قد قصر في معرفة حدوث ماله وما عليه ويترتب على ذلك انه لا بد فيها من توافر الارادة فاذا لم يكن الفعل الذي وقع ارادياً فانه لا يعاقب مرتكبه حسب م( 737 )ق.ع (3)
فمن يضع مصباحاً على حفرة احدتها بطريق عام فانه لا يعاقب اذا اتى لص وسرقة المصباح فترتب على ذلك سقوط احد المارة في الحفرة وتعرضه للاذى .
ولكن جانياً آخرمن الفقه ذهب الى ان المخالفات مثلها مثل الجنايات تتطلب وجود الركن المعنوي الى جانب الركن المادي فلا يجوز القول بأن قانون العقوبات السوري يعتبر المخالفات جرائم مادية بحته فالقاعدة التي قررها في شأن الركن المعنوي للجريمة العامة في المواد (187ـ 190 ) لم يخصص نطاقها بالجنايات والجنح ولم يستثن المخالفات ويقتضي ذلك ان نستخلص ارادة المشرع المتجهة الى تطلب ركن معنوي للمخالفات في احدى صورتيه وشأن المخالفات في ذلك شأن سائر الجرائم الاخرى ولا محل لوضع استثناء مع هذا الاصل العام الا اذا كان ثمة نص صريح يقرر استبعاد فئة معينة من المخالفات منه أما الأعتبار اتالتي تساق لتدعيم انصار الاتجاه القاتل بأن المخالفات جرائم مادية بحتة في اعتبارات غير حاسمة فحرص المشرع على صيانة اوضاع ضرورية لتنظيم المجتمع تقتضي على نحو معين ان يكون في الحدود التي تسمح بها المبادىء القانونية العامة فاذا كانت مصلحة المجتمع تقتضي حماية هذه المبادىء والاعتراف لهذه الاعتبارات بأهميتها والقول بأن الواجب الذي تفرضه النصوص الخاصة بالمخالفات مع كل شخص هو واجب محدود النطاق قليل المشقة وان العقاب المقرر للاخلال به ضئيل وانه يتعين التحقيق من عبء القضاء بأعضاءه من المبحث في الركن المعنوي للمخالفات وكل ذلك ليس له من القيمة القانونية ما يبرر الخروج عن المبدأ الأساسي الذي يتطلب في كل جريمة ركناً معنوياً .
اذاً فالفعل الذي يشكل مخالفة في القانون هو جريمة تعرض مرتكبها للمسؤولية الجزائية كسائر الجرائم الأخرى بصرف النظر عن درجة خطورتها أو مقدار عقوبتها فمن المتفق عليه ان خطورة الجريمة او عقوبتها مسائل علاقة لها بأن كان للجريمة او بالمسؤولية الجزائية صورته فليس في الامر صعوبة اما اذا اغفل تحديدها فالأصل تطلب القصد باعتباره الصورة العادية للركن المعنوي ولكن طبقة المخالفات واستهدافها صيانة أوضاع قدر الشارع ضرورتها التنظيم المجتمع على نحو معين تتطلب ان يوضع القصد او الخطأ على قدم المساواة في تحديد صورة الركن المعنوي لهذه المخالفات فيغير كل منهما على حد سواء كافياً لقيام المخالفة ويستحق المدعى عليه في الحالتين ذات العقوبة المقررة في القانون وعلى هذه المساواة ان الخطيئة غير واضح في المخالفات حيث من الصعب ان يعي المخالف ما ينطوي عليه فعله من الاضرار بالمجتمع معنى ذلك ان معظم المخالفات ترتكب دون قصد فمن النادر ان ترتكب المخالفة قصداً فلذلك لم يجد الشارع سبباً لتخصيص أحكام خاصة بجرائم المخالفات القصدية وتميزها عن الجرائم المخالفات غير القصدية بالاضافة الى ذلك فان ضآلة العقوبة المقررة للمخالفة تجعل التفرقة بين عقوبة المخالفة القصدية وعقوبة المخالفة غير القصدية تفرقة متجردة من الأهمية المحسوسة (2)
المراجع
1_ د. عبود السراج قانون العقوبات العام .
2_ د.محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات اللبناني العام المجلد الاول الطبعة الثالثة بيروت 1998م .
3_ د. عبد الوهاب حومد المفصل في قانون العقوبات .
4_ د. جلال ثروت نظرية الجريمة متعدية القصد بيروت 2003 .
5_ د. أديب استانبولي شرح قانون العقوبات عام الجزء الثاني .
6_ د. محمد الفاضل المبادىء العامة في التشريع الجزائي مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية دمشق عام1983
7_ د. أديب استانبولي شرح قانون العقوبات الجزء الأول الطبعة الثانية عام 1990 المكتبة القانونية .
8_ د. السعيد مصطفى السعيد الأحكام العامة في قانون العقوبات الطبعة الثانية عام 1977 دار المعارف .
9_ د. جاك يوسف الحكيم شرح قانون العقوبات القسم الخاص الجزء الثاني .
10_ د.محمد الفاضل الجرائم الواقعة مع الأشخاص إصدار وزارة الثقافة